احصائيات المدونة

cenima world

الجمعة، 19 أبريل 2013

Children of Paradise - 1945






 

كنت أنام عندما أشعر بالتعاسة , حلمُت , لكن الناس لا يروق لهم ذلك , كانوا يضربونني حتى يوقظوني من أحلامي , من حسن الحظ ان نومي كان أثقل من صفعاتهم . واهرب منهم في أحلامي . الحلم والحياة أنهما ذات الشيء .. بدونهما الحياة لا تستحق العيش ..

السينما هي الحياة أو من خلالها نُدرك الحلم الذي يستحق العيش في هذه الحياة , تلك المقولة التي لطالما احتفيت بيه للمخرج الايطالي المعروف فيديريكو فيليني . ومن خلالها سأخوض حديثي عن الكلاسيكية الفرنسية للمخرج مارسيل كارني (أطفال الفردوس) والذي أنتج في أبان اندلاع الحرب العالمية الثانية , وتم اختياره من قبل جمعية نقاد مهرجان كان السينمائي كأفضل عمل في تاريخ السينما الفرنسية ..
العمل أتخذ من التيار الشعري الفرنسي الكلاسيكي أبرز معالمه , والذي ظهر ببداية العقد الثلاثيني وقدم العديد من الروائع الهامة ومنها الأطلنطي للمخرج الفرنسي (جان فيغو ) وأيضاً لن اتناسى ما قدمه المخرج ماكس اولفليس في مطلع العقد الخماسيني والتي أعقبها ولادة الموجة الفرنسية الجديدة والتي ظهرت في بداية الستينات . أستطيع القول أن أطفال الفردوس خلق تلك الحالة من الشغف السينمائي وألا اعتيادية والتي طالب فيها مؤسسي الموجة , والعاطفة الإنسانية الشجية والتي خلفتها أعمال الشاعرية الفرنسية . قرأت من فترة أن المخرج الأمريكي (مارتن سكورسيزي) التقى في أحد المخرجين الشبان وعندما أصر المخرج الشاب أن يوصى له بِمجموعة من ألإعمال السينمائية الهامة , والتي تثري مُشاهدته والحس الإبداعي لديه , فكان هذا العمل الفرنسي من ضمن تلك القائمة التي أوصي فيها. سردت تلك القصة لغاية وحيدة في نفسي وهي تلك الحالة من الشغف بالسينما والاحتفاء بمعالمها وقدرتها على خلق حالة من الحلم الإنساني بين زواياها , فسكورسيزي في وضعه أطفال الفردوس ضمن قائمته كمن يقول : أحب السينما وكن شغوف بيه وبقدرتها على خلق حالة من الحلم الإنساني بين سطورها قبل أن تٌقدم على صناعتها.


تم تجزئة العمل إلى جزأين في الجزء الأول سمي (جريمة الجادة ) , أما الجزء الثاني فأطلق عليه أسم (الرجل الذي يلبس ألأبيض ) . يفتتح العمل بِمشهد من احد الشوارع الباريسية وأمام ناصية أحد المسارح الصامتة والتي يتخللها عرض لأحد الممثلين ألإيمائيين , والتي يعقبها جريمة سرقة لأحد المشاهدين للعرض , فيتهم بذلك احد الفتيات التي تقف بجانب الرجل الذي تمت سرقته , ومن خلالها يبدأ باتسيت الممثل الإيمائي (جان لويس ) الذي شاهد عملية السرقة وهو يقف على خشبة الناصية بإعادة تمثيل عملية السرقة بشكل ايمائي كوميدي ساخر والذي من خلاله تمت تبرئة الفتاة جارانس (أرليتى) _واسمها يعبر عن الزهرة _ فتقوم تلك الفتاة بشكره وإلقاء احد الزهور التي تحملها عليه . تعمدت إن اطرح الافتتاحية كاملة حتى استطيع خلق ترابط مابين المشهد والفكرة التي أؤد الحديث عنها , فالسينما كما يراها المخرج الفرنسي مارسيل كارني هي مرآه للحياة والواقع والحلم بذات الآن , فيكمن الواقع بتلك المسرحية القصيرة الساخرة التي قدمها باتيست لأعاده مشهد السرقة أمام الجمهور . ويتمخض الحلم في حالة العشق التي لاذت إلى روح ذلك الشاب بعد إلقاء الزهرة من تلك الشابة علية . مارسيل كارني خلق علاقة وثيقة ما بين الشارع والناصية الفنية في افتتاحية العمل , ليخلق تلك الحقيقة التي من خلالها أوجدت السينما , وهي السخرية من رثاء وقبح الواقع وإيجاد نافذة للحلم .
يخلق العمل العديد من المحاور في التسلسل ألحدثي , فلنحظ العديد من الصراعات البشرية في مجمل شخصياته , والتي حاول المخرج ان يضبط حواراتها , مقتبساً لها من شتى الإعمال الأدبية في محاولة لخلق مزيج رائع بين التراجيديا والكوميديا السوداء والدراما العاطفية . تلك العملية التي جعلت من شخصيات العمل تتبادل مركزية الحدث , والتي أباحة التنقل بين الأحداث بشكل ممتاز ومثير .
باتيست الممثل الإيمائي كان يخلق مزيح ما بين الفن والإنسان والعلاقة التي تربطهما باسم الحلم . ففي احد الحوارات مع تلك الفتاة الغاوية جرانس يقول : (كنت أنام عندما أشعر بالتعاسة , حلمُت , لكن الناس لا يروق لهم ذلك , كانوا يضربونني حتى يوقظوني من أحلامي , من حسن الحظ ان نومي كان أثقل من صفعاتهم . واهرب منهم في أحلامي . ) وتتكرر ذات الفكرة في مشهد أخر عندما تتم المقارنة بين باتيسيت والممثل الأخر فريدريك (بيير برسيير) فيقول احد المتابعين للمسرحية :  باتسيت فنان أما فريدريك فهو ممثل ؟
فالسينما كما أوحى لها العمل هي حالة من الفن الذي يصنع الحلم , والتي ظهرت جلياً في المسرحيات التي ظهر فيها باتيست على المسرح , ومع أنها كانت لا تمتلك أي حوارات بين حناياها ألا أنها خلقت صورة من الفنية التعبيرية والتي تتناقض من التراجيديا المقدمة في المسرح الأخر التي لا تقل احترافية عن سابقتها ولكنها تفتقد إلى الجزء الإبداعي الفني الحالم .


أدرك أن العمل يُمثل للسينما الفرنسية كما تُمثل الدار البيضاء أو ذهب مع الريح للكلاسيكيات الهوليودية , فكانت تغلب على الإحداث الصراعات العاطفية والتي خلقت مّد وجزر في السياق ألحدثي وشكلت مادة درامية دسمة وممتعة في ذات ألان . والتي بنية حالة من البحث عن العاطفة البريئة والابتعاد عن تلك التعقيدات والإشكال الحياتية الرثة . فالحب بسيط جداً_كما قالت جراناس _ ولكن تلك البساطة_ تُمثل طفلة صغيرة تلعب في احد المناطق النائية الباريسية_ والتي لا تلقى هم لِـ ألآم الفقدان في المستقبل . فكافة شخصيات العمل كالأطفال الذين يتعلقون بأمهاتهم وحين يفقدون تلك العاطفة , تتغير مساربهم وتصبح مشاعر الطفولة مجرد ذكرى بعيدة المنال ._كتلك الأضواء التي يصدح بيه القمر في لقاء العاشقين_. ومن هنا أظن أن العمل أستحضر اسمه (أطفال الفردوس) فالطفولة أنقى المراحل العمرية صفاء وحلم , والفردوس أعلى مراتب الجنة , ومهما طالت الطفولة لا يمكنها أن تستمر وبتالي نفتقد إلى الفردوس الذي نعتاشه ونحاول إن نصبُ إليه .  
يُختتم العمل بمحاولة باتسييت اللحاق بجرانس بين جموع البشر في احد المهرجانات , والتي تذهب بعيداً عن متناوله وتختفي في ضبابية الواقع الرث . فالحلم يبقى حلم . فهو مجرد متنفس زمني لحظي ينتقل فينا إلى عالمة وينتهي مع أول جدار يصطدم فيه . والذي يبرز عظمة الصناعة السينمائية والفن كروح الأخيرة لتواجد الحلم في زمن الواقع ألكابوسي .
أطفال الفردوس عمل سينمائي عظيم أستطاع أن يخلق كوكبة مترامية من المشاعر والصراعات الدرامية في النص المقدم , وأن يخلد الفن السينمائي كعلامة بارزة في صنع الحلم الإنساني  . والذي جعله يستحق أن يكون ضمن أهم الكلاسيكيات في تاريخ السينما .
تمت كتابة المقال احتفاء مني بصدور ترجمة عربية مشتركة للعمل من قبل كل من الأخوة المترجمين / هند سعد وعمار طرقجي . 

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا