احصائيات المدونة

cenima world

السبت، 11 مايو 2013

Camille Claudel - 1988






"أرتعب من فكرة أني لن أحصد يوماً ثمرة جهودي و أنّي سأموت هكذا في العتمة الكاملة.”
- كاميل كلوديل

ملكوت الأحاسيس البشرية و الضجيج الناشئ من الظلمة التي تنهش الروح و تمزق الجسد و تصلب الذكريات , تلك المشاعر و هذه  الحسيّة التي تنشئ في الذات و تخترق كافّة ما هو ملموس ومادي .. تدق ساعات الشباب راحلة بكل أمجادها، مستحضرة مسخ الشيخوخة إلى ضريح الحياة في مقبرة الشغف الإنساني .
هذيان ما بعده هذيان. إدمان، حاجة، أم رغبة. هل هو الشبق في مستعمرة الكائن البشري أم غليان الذات الممتلئة بالشغف، التي تودي بنا إلى الانهيار الذي يخنقنا بين جدران الوحدة و الموت .
تقول النحاته الفرنسية الشهيرة كاميل كلوديل: ( ثمّة شيء ما يُعذّبني غيابه ).
العذاب و الألم الذي يعتنقانه البشر كالأديان. الديمومة تصف حالة استمرارية العيش في قوقعة تلك الأحزان، و الصفة الملموسة - المادة - تُعبّر عن الجزء الذي أدّى بنا إلى هذا العذاب، و أمّا الغياب فهو صفة للفقدان أو الضياع في مرحلة ما بعد الوجود أو الهرب من الوجود. حالة اللاشيء. صورة عن غلاف الظل البشري بعد أن فارقته الروح بعد أن رُفض من مجتمعه و انتهكت خلوته و اغتصبت عذوبته و دُهس على عالم أحلامه.
 نحن هنا في مرحلة الولوج إلى عالم تلك النحّاته التي أدّى عشقها لـِ معلمها النحّات الشهير "أوغست رودان" إلى انكسارات و عتمة فجّة تغلف أعوام حياتها. والتي اختلفت المراجع البحثيّة في شأنها عن تلك العلاقة المضطربة بين هاتان الشخصيتان.
رودان و كاميل تلك العلاقة التي ولد تحت طيّاتها مرسوم الحب و علامات الشغف الجنوني و مارونية الحس الإنساني التي أوصلت كاميل إلى حدود جنون الارتياب و إستخلاص مشاعر القهر و الكراهية و الهلوسة و الإدمان الكابوسي الذي خلق عالم أعمالها الفنية، فكاميل لم تُعبّر عن الإنسان بقدر ما عبّرت عن الإنسانية و فاجعة التوهان في عالم اللاوعي، عالم المشاعر و الانطواء عبر عنق زجاجته،  و هذا الأمر هو ما أثار اهتمامي في عمل المخرج الفرنسي :
(Bruno Nuytten) كاميل كلوديل 1988.


المخرج الفرنسي برونو حاول أن يصف لنا "كاميل كلوديل" من خلال أعمالها الفنية و تلك القشعريرة التي خلّفها هذا الانطواء الإنساني المتمثل بالأعمال المرصوفة من الطين.
يفتتح العمل بمشهد لِـكاميل وهي تقوم بانتزاع الصلصال من بين تلك الحفريات التي أعدت لنظام الصرف الصحيّ في باريس في ليلة ماطرة تحملها إلى معرضها، لتقوم بتشكيل اللاشيء إلى شيء، لتحوّل الطين من الطابع النتن إلى عالم الجمال. تلك الحالة الرمزية في الولوج لعالم الفنّان و عزلته في معبده الفنيّ لتكديس كل مشاعره في تأجيج كافة الطموحات و الأحلام و الأحاسيس في صخرة أو كتلة من الطين و التي يحاول فيها المخرج برونو أن يخلق حالة الولادة الفنيّة لكاميل كلوديل و تلك النشوة و الجمال اللذان يداعبان أصابعها، من خلال اضفاء الجمال في كل ما تدس عالمها به، ليختتم العمل بمشهد الإعصار المُدمّر في روح كاميل و هي تقوم بتحطيم مجمل أعمالها في نوبة غضب عارم .. النحت عبّر عن كاميل، والمنحوتة عبّرت عن المشاعر و الحياة، عبّرت عن قدرتها على تشكيل الصخور و الجمال الذاتي لتلك الشخصية، و الموت عبّر عن تدميرها للأعمال.
حاول مخرج العمل برونو ان يُركّز على شخصية كاميل كلوديا من ثلاثة جوانب: كلوديل المرأه الحساسة، العنيدة، المعتدّة بنفسها و المحبة للجميع. كلوديل النحّاتة، الفنانة العبقرية التي أسرت بعالمها الجميع و رودان الذي أصبح شغفها و صيرورة أحاسيسها. و أخيراً، حاول ان يبحث في تلك الشبكة من العلاقات التي اثّرت في شخصية كاميل من والدها و أخيها و عشيقها و التي أدت إلى هذه الظلمة التي أودت بحياة تلك الفنانة في النهاية الى إحدى المصحّات العقلية .
لعليّ ألمس أن برونو لم يحاول خلق ذلك الانطباع العام حول شخصياته فأنت تشهد عالم النحات اوغست رودان (جيرارد دبيدرو) وعلاقته مع كاميل التي تشعر انه مجرد منحوته يشكل جسدها و روحها كما يود و تغلف عالمه بالجنون والإبداع الذاتي. و أمّا علاقتها بـ أخيها فكانت علاقة ملئية بالعنفوان و الصفو رغم أنّها انتهت بشكل مُعتّم في النهاية.


الجزء الأهمّ في العمل هو من خلال ادراج اعمال كاميل كلوديل في العمل وعكس الذات الشخصية لها و بعث تلك الحالة من النرجسية التي تلوح بأفقها و التي جعلتها تلتمس البراءة من خلال فنها. الفرنسي برونو حاول بقدر الإمكان أن يخلق علامة تواصل بين الناحت و المنحوتة بشكل ثري ومبهر، حاول أن يعكس عامل رودان و نظرته الشبقة لأجساد الفتيات اللواتي يعرضن أجسادهن ليقوم هو بإنجاز منحوتاته، بعكس كاميل التي كان تركيزها السائد على التعبير العلوي من الرأس و نبذ العلامات الجسدية في علامة عن النظرة الداخلية للذات و الحسّ البشري. و مع أنّي غير مُطلع على فن النحت أو العالم الفني لأعمال كاميل ورودان إلّا أنّ العمل يُخلّف في نفس المُشاهد نظرة ثاقبة إلى عالمهما. فالعلاقة الناشئة بينهما تحمل ازدواجية ظاهرة للعيان. يمكن تفسيرها بأنّ رودان لم ينظر لكاميل إلّا بطابع منحوتة و ثورة شبق مشعله للإلهام الخاص به، بينما كاميل جعلت من رودان عالم يحتضن روحها و جسدها، كانت تؤمن بامتلاك كامل لهذا العالم، كمن يحاول أن يجمع روحان في جسد واحده، و تُمثلت تلك الحالة بالعديد من المنحوتات المشتركة بينهما.
"كاميل كلوديل" حالة مخيفة من الأحاسيس الإنسانيّة المتضاربة و الإبداع البشري المؤدي إلى الهلاك و سيل جارف من المشاعر التي تصبو إلى خلق تلك الإشكاليات النفسية والروحية والأخلاقية لمجتمع رفض إبداع وحسية امراه و أسرها لكونها غير قادرة على كتمان عذوبة و جنون مشاعرها .


كاميل كلوديل 1988 . حصل على ترشيحان في جائزة الأوسكار الأولى لأفضل ممثلة رئيسية للمبدعة (ايزابيل ادجاني) والتي قدمت دور نسائي ممتاز للغاية والثاني عن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالانجليزية. يُذكر أنّ العمل رُشّح لجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي و حصد جائزة أفضل ممثله رئيسية في ذات المهرجان .


خارج النص:
تُعد منحوتة كاميل كلوديل (عصر النضوج ) من أهم الأعمال الفنية في فن النحت المعاصر. والتي خلّفت من خلالها العديد من التئاويل و التفسيرات. فأنطلق البعض في تفسير تلك المنحوته كونها تعكس علاقة كاميل و التي مثلة الشابة الجاثمة على الارض وتستجدي رودان الذي ينطلق مع زوجته العجوز. اما كاميل ذاتها فسّرت المجسم ليُمثل ذاتها في الشخوص الثلاث الظاهرة، فعبّرت الشابة المتوسّلة عن الشباب الضائع و الروح و يفسر الشاب بالجسد و أمّا المرأة العجوز فتُمثّل الموت.

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا