احصائيات المدونة

cenima world

السبت، 11 مايو 2013

Camille Claudel - 1988






"أرتعب من فكرة أني لن أحصد يوماً ثمرة جهودي و أنّي سأموت هكذا في العتمة الكاملة.”
- كاميل كلوديل

ملكوت الأحاسيس البشرية و الضجيج الناشئ من الظلمة التي تنهش الروح و تمزق الجسد و تصلب الذكريات , تلك المشاعر و هذه  الحسيّة التي تنشئ في الذات و تخترق كافّة ما هو ملموس ومادي .. تدق ساعات الشباب راحلة بكل أمجادها، مستحضرة مسخ الشيخوخة إلى ضريح الحياة في مقبرة الشغف الإنساني .
هذيان ما بعده هذيان. إدمان، حاجة، أم رغبة. هل هو الشبق في مستعمرة الكائن البشري أم غليان الذات الممتلئة بالشغف، التي تودي بنا إلى الانهيار الذي يخنقنا بين جدران الوحدة و الموت .
تقول النحاته الفرنسية الشهيرة كاميل كلوديل: ( ثمّة شيء ما يُعذّبني غيابه ).
العذاب و الألم الذي يعتنقانه البشر كالأديان. الديمومة تصف حالة استمرارية العيش في قوقعة تلك الأحزان، و الصفة الملموسة - المادة - تُعبّر عن الجزء الذي أدّى بنا إلى هذا العذاب، و أمّا الغياب فهو صفة للفقدان أو الضياع في مرحلة ما بعد الوجود أو الهرب من الوجود. حالة اللاشيء. صورة عن غلاف الظل البشري بعد أن فارقته الروح بعد أن رُفض من مجتمعه و انتهكت خلوته و اغتصبت عذوبته و دُهس على عالم أحلامه.
 نحن هنا في مرحلة الولوج إلى عالم تلك النحّاته التي أدّى عشقها لـِ معلمها النحّات الشهير "أوغست رودان" إلى انكسارات و عتمة فجّة تغلف أعوام حياتها. والتي اختلفت المراجع البحثيّة في شأنها عن تلك العلاقة المضطربة بين هاتان الشخصيتان.
رودان و كاميل تلك العلاقة التي ولد تحت طيّاتها مرسوم الحب و علامات الشغف الجنوني و مارونية الحس الإنساني التي أوصلت كاميل إلى حدود جنون الارتياب و إستخلاص مشاعر القهر و الكراهية و الهلوسة و الإدمان الكابوسي الذي خلق عالم أعمالها الفنية، فكاميل لم تُعبّر عن الإنسان بقدر ما عبّرت عن الإنسانية و فاجعة التوهان في عالم اللاوعي، عالم المشاعر و الانطواء عبر عنق زجاجته،  و هذا الأمر هو ما أثار اهتمامي في عمل المخرج الفرنسي :
(Bruno Nuytten) كاميل كلوديل 1988.


المخرج الفرنسي برونو حاول أن يصف لنا "كاميل كلوديل" من خلال أعمالها الفنية و تلك القشعريرة التي خلّفها هذا الانطواء الإنساني المتمثل بالأعمال المرصوفة من الطين.
يفتتح العمل بمشهد لِـكاميل وهي تقوم بانتزاع الصلصال من بين تلك الحفريات التي أعدت لنظام الصرف الصحيّ في باريس في ليلة ماطرة تحملها إلى معرضها، لتقوم بتشكيل اللاشيء إلى شيء، لتحوّل الطين من الطابع النتن إلى عالم الجمال. تلك الحالة الرمزية في الولوج لعالم الفنّان و عزلته في معبده الفنيّ لتكديس كل مشاعره في تأجيج كافة الطموحات و الأحلام و الأحاسيس في صخرة أو كتلة من الطين و التي يحاول فيها المخرج برونو أن يخلق حالة الولادة الفنيّة لكاميل كلوديل و تلك النشوة و الجمال اللذان يداعبان أصابعها، من خلال اضفاء الجمال في كل ما تدس عالمها به، ليختتم العمل بمشهد الإعصار المُدمّر في روح كاميل و هي تقوم بتحطيم مجمل أعمالها في نوبة غضب عارم .. النحت عبّر عن كاميل، والمنحوتة عبّرت عن المشاعر و الحياة، عبّرت عن قدرتها على تشكيل الصخور و الجمال الذاتي لتلك الشخصية، و الموت عبّر عن تدميرها للأعمال.
حاول مخرج العمل برونو ان يُركّز على شخصية كاميل كلوديا من ثلاثة جوانب: كلوديل المرأه الحساسة، العنيدة، المعتدّة بنفسها و المحبة للجميع. كلوديل النحّاتة، الفنانة العبقرية التي أسرت بعالمها الجميع و رودان الذي أصبح شغفها و صيرورة أحاسيسها. و أخيراً، حاول ان يبحث في تلك الشبكة من العلاقات التي اثّرت في شخصية كاميل من والدها و أخيها و عشيقها و التي أدت إلى هذه الظلمة التي أودت بحياة تلك الفنانة في النهاية الى إحدى المصحّات العقلية .
لعليّ ألمس أن برونو لم يحاول خلق ذلك الانطباع العام حول شخصياته فأنت تشهد عالم النحات اوغست رودان (جيرارد دبيدرو) وعلاقته مع كاميل التي تشعر انه مجرد منحوته يشكل جسدها و روحها كما يود و تغلف عالمه بالجنون والإبداع الذاتي. و أمّا علاقتها بـ أخيها فكانت علاقة ملئية بالعنفوان و الصفو رغم أنّها انتهت بشكل مُعتّم في النهاية.


الجزء الأهمّ في العمل هو من خلال ادراج اعمال كاميل كلوديل في العمل وعكس الذات الشخصية لها و بعث تلك الحالة من النرجسية التي تلوح بأفقها و التي جعلتها تلتمس البراءة من خلال فنها. الفرنسي برونو حاول بقدر الإمكان أن يخلق علامة تواصل بين الناحت و المنحوتة بشكل ثري ومبهر، حاول أن يعكس عامل رودان و نظرته الشبقة لأجساد الفتيات اللواتي يعرضن أجسادهن ليقوم هو بإنجاز منحوتاته، بعكس كاميل التي كان تركيزها السائد على التعبير العلوي من الرأس و نبذ العلامات الجسدية في علامة عن النظرة الداخلية للذات و الحسّ البشري. و مع أنّي غير مُطلع على فن النحت أو العالم الفني لأعمال كاميل ورودان إلّا أنّ العمل يُخلّف في نفس المُشاهد نظرة ثاقبة إلى عالمهما. فالعلاقة الناشئة بينهما تحمل ازدواجية ظاهرة للعيان. يمكن تفسيرها بأنّ رودان لم ينظر لكاميل إلّا بطابع منحوتة و ثورة شبق مشعله للإلهام الخاص به، بينما كاميل جعلت من رودان عالم يحتضن روحها و جسدها، كانت تؤمن بامتلاك كامل لهذا العالم، كمن يحاول أن يجمع روحان في جسد واحده، و تُمثلت تلك الحالة بالعديد من المنحوتات المشتركة بينهما.
"كاميل كلوديل" حالة مخيفة من الأحاسيس الإنسانيّة المتضاربة و الإبداع البشري المؤدي إلى الهلاك و سيل جارف من المشاعر التي تصبو إلى خلق تلك الإشكاليات النفسية والروحية والأخلاقية لمجتمع رفض إبداع وحسية امراه و أسرها لكونها غير قادرة على كتمان عذوبة و جنون مشاعرها .


كاميل كلوديل 1988 . حصل على ترشيحان في جائزة الأوسكار الأولى لأفضل ممثلة رئيسية للمبدعة (ايزابيل ادجاني) والتي قدمت دور نسائي ممتاز للغاية والثاني عن فئة أفضل فيلم غير ناطق بالانجليزية. يُذكر أنّ العمل رُشّح لجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي و حصد جائزة أفضل ممثله رئيسية في ذات المهرجان .


خارج النص:
تُعد منحوتة كاميل كلوديل (عصر النضوج ) من أهم الأعمال الفنية في فن النحت المعاصر. والتي خلّفت من خلالها العديد من التئاويل و التفسيرات. فأنطلق البعض في تفسير تلك المنحوته كونها تعكس علاقة كاميل و التي مثلة الشابة الجاثمة على الارض وتستجدي رودان الذي ينطلق مع زوجته العجوز. اما كاميل ذاتها فسّرت المجسم ليُمثل ذاتها في الشخوص الثلاث الظاهرة، فعبّرت الشابة المتوسّلة عن الشباب الضائع و الروح و يفسر الشاب بالجسد و أمّا المرأة العجوز فتُمثّل الموت.

الجمعة، 19 أبريل 2013

Children of Paradise - 1945






 

كنت أنام عندما أشعر بالتعاسة , حلمُت , لكن الناس لا يروق لهم ذلك , كانوا يضربونني حتى يوقظوني من أحلامي , من حسن الحظ ان نومي كان أثقل من صفعاتهم . واهرب منهم في أحلامي . الحلم والحياة أنهما ذات الشيء .. بدونهما الحياة لا تستحق العيش ..

السينما هي الحياة أو من خلالها نُدرك الحلم الذي يستحق العيش في هذه الحياة , تلك المقولة التي لطالما احتفيت بيه للمخرج الايطالي المعروف فيديريكو فيليني . ومن خلالها سأخوض حديثي عن الكلاسيكية الفرنسية للمخرج مارسيل كارني (أطفال الفردوس) والذي أنتج في أبان اندلاع الحرب العالمية الثانية , وتم اختياره من قبل جمعية نقاد مهرجان كان السينمائي كأفضل عمل في تاريخ السينما الفرنسية ..
العمل أتخذ من التيار الشعري الفرنسي الكلاسيكي أبرز معالمه , والذي ظهر ببداية العقد الثلاثيني وقدم العديد من الروائع الهامة ومنها الأطلنطي للمخرج الفرنسي (جان فيغو ) وأيضاً لن اتناسى ما قدمه المخرج ماكس اولفليس في مطلع العقد الخماسيني والتي أعقبها ولادة الموجة الفرنسية الجديدة والتي ظهرت في بداية الستينات . أستطيع القول أن أطفال الفردوس خلق تلك الحالة من الشغف السينمائي وألا اعتيادية والتي طالب فيها مؤسسي الموجة , والعاطفة الإنسانية الشجية والتي خلفتها أعمال الشاعرية الفرنسية . قرأت من فترة أن المخرج الأمريكي (مارتن سكورسيزي) التقى في أحد المخرجين الشبان وعندما أصر المخرج الشاب أن يوصى له بِمجموعة من ألإعمال السينمائية الهامة , والتي تثري مُشاهدته والحس الإبداعي لديه , فكان هذا العمل الفرنسي من ضمن تلك القائمة التي أوصي فيها. سردت تلك القصة لغاية وحيدة في نفسي وهي تلك الحالة من الشغف بالسينما والاحتفاء بمعالمها وقدرتها على خلق حالة من الحلم الإنساني بين زواياها , فسكورسيزي في وضعه أطفال الفردوس ضمن قائمته كمن يقول : أحب السينما وكن شغوف بيه وبقدرتها على خلق حالة من الحلم الإنساني بين سطورها قبل أن تٌقدم على صناعتها.


تم تجزئة العمل إلى جزأين في الجزء الأول سمي (جريمة الجادة ) , أما الجزء الثاني فأطلق عليه أسم (الرجل الذي يلبس ألأبيض ) . يفتتح العمل بِمشهد من احد الشوارع الباريسية وأمام ناصية أحد المسارح الصامتة والتي يتخللها عرض لأحد الممثلين ألإيمائيين , والتي يعقبها جريمة سرقة لأحد المشاهدين للعرض , فيتهم بذلك احد الفتيات التي تقف بجانب الرجل الذي تمت سرقته , ومن خلالها يبدأ باتسيت الممثل الإيمائي (جان لويس ) الذي شاهد عملية السرقة وهو يقف على خشبة الناصية بإعادة تمثيل عملية السرقة بشكل ايمائي كوميدي ساخر والذي من خلاله تمت تبرئة الفتاة جارانس (أرليتى) _واسمها يعبر عن الزهرة _ فتقوم تلك الفتاة بشكره وإلقاء احد الزهور التي تحملها عليه . تعمدت إن اطرح الافتتاحية كاملة حتى استطيع خلق ترابط مابين المشهد والفكرة التي أؤد الحديث عنها , فالسينما كما يراها المخرج الفرنسي مارسيل كارني هي مرآه للحياة والواقع والحلم بذات الآن , فيكمن الواقع بتلك المسرحية القصيرة الساخرة التي قدمها باتيست لأعاده مشهد السرقة أمام الجمهور . ويتمخض الحلم في حالة العشق التي لاذت إلى روح ذلك الشاب بعد إلقاء الزهرة من تلك الشابة علية . مارسيل كارني خلق علاقة وثيقة ما بين الشارع والناصية الفنية في افتتاحية العمل , ليخلق تلك الحقيقة التي من خلالها أوجدت السينما , وهي السخرية من رثاء وقبح الواقع وإيجاد نافذة للحلم .
يخلق العمل العديد من المحاور في التسلسل ألحدثي , فلنحظ العديد من الصراعات البشرية في مجمل شخصياته , والتي حاول المخرج ان يضبط حواراتها , مقتبساً لها من شتى الإعمال الأدبية في محاولة لخلق مزيج رائع بين التراجيديا والكوميديا السوداء والدراما العاطفية . تلك العملية التي جعلت من شخصيات العمل تتبادل مركزية الحدث , والتي أباحة التنقل بين الأحداث بشكل ممتاز ومثير .
باتيست الممثل الإيمائي كان يخلق مزيح ما بين الفن والإنسان والعلاقة التي تربطهما باسم الحلم . ففي احد الحوارات مع تلك الفتاة الغاوية جرانس يقول : (كنت أنام عندما أشعر بالتعاسة , حلمُت , لكن الناس لا يروق لهم ذلك , كانوا يضربونني حتى يوقظوني من أحلامي , من حسن الحظ ان نومي كان أثقل من صفعاتهم . واهرب منهم في أحلامي . ) وتتكرر ذات الفكرة في مشهد أخر عندما تتم المقارنة بين باتيسيت والممثل الأخر فريدريك (بيير برسيير) فيقول احد المتابعين للمسرحية :  باتسيت فنان أما فريدريك فهو ممثل ؟
فالسينما كما أوحى لها العمل هي حالة من الفن الذي يصنع الحلم , والتي ظهرت جلياً في المسرحيات التي ظهر فيها باتيست على المسرح , ومع أنها كانت لا تمتلك أي حوارات بين حناياها ألا أنها خلقت صورة من الفنية التعبيرية والتي تتناقض من التراجيديا المقدمة في المسرح الأخر التي لا تقل احترافية عن سابقتها ولكنها تفتقد إلى الجزء الإبداعي الفني الحالم .


أدرك أن العمل يُمثل للسينما الفرنسية كما تُمثل الدار البيضاء أو ذهب مع الريح للكلاسيكيات الهوليودية , فكانت تغلب على الإحداث الصراعات العاطفية والتي خلقت مّد وجزر في السياق ألحدثي وشكلت مادة درامية دسمة وممتعة في ذات ألان . والتي بنية حالة من البحث عن العاطفة البريئة والابتعاد عن تلك التعقيدات والإشكال الحياتية الرثة . فالحب بسيط جداً_كما قالت جراناس _ ولكن تلك البساطة_ تُمثل طفلة صغيرة تلعب في احد المناطق النائية الباريسية_ والتي لا تلقى هم لِـ ألآم الفقدان في المستقبل . فكافة شخصيات العمل كالأطفال الذين يتعلقون بأمهاتهم وحين يفقدون تلك العاطفة , تتغير مساربهم وتصبح مشاعر الطفولة مجرد ذكرى بعيدة المنال ._كتلك الأضواء التي يصدح بيه القمر في لقاء العاشقين_. ومن هنا أظن أن العمل أستحضر اسمه (أطفال الفردوس) فالطفولة أنقى المراحل العمرية صفاء وحلم , والفردوس أعلى مراتب الجنة , ومهما طالت الطفولة لا يمكنها أن تستمر وبتالي نفتقد إلى الفردوس الذي نعتاشه ونحاول إن نصبُ إليه .  
يُختتم العمل بمحاولة باتسييت اللحاق بجرانس بين جموع البشر في احد المهرجانات , والتي تذهب بعيداً عن متناوله وتختفي في ضبابية الواقع الرث . فالحلم يبقى حلم . فهو مجرد متنفس زمني لحظي ينتقل فينا إلى عالمة وينتهي مع أول جدار يصطدم فيه . والذي يبرز عظمة الصناعة السينمائية والفن كروح الأخيرة لتواجد الحلم في زمن الواقع ألكابوسي .
أطفال الفردوس عمل سينمائي عظيم أستطاع أن يخلق كوكبة مترامية من المشاعر والصراعات الدرامية في النص المقدم , وأن يخلد الفن السينمائي كعلامة بارزة في صنع الحلم الإنساني  . والذي جعله يستحق أن يكون ضمن أهم الكلاسيكيات في تاريخ السينما .
تمت كتابة المقال احتفاء مني بصدور ترجمة عربية مشتركة للعمل من قبل كل من الأخوة المترجمين / هند سعد وعمار طرقجي . 

السبت، 30 مارس 2013

حكايات الموجة الفرنسية " في عشرة أفلام "

  

الموجة الفرنسية الجديدة / قبلة الفرنسيين على جبين السينما العالمية ..

 مقدمة عن الموجة الفرنسية الجديدة ..

تعتبر الموجة الفرنسية الجديدة أحد أهم المدارس السينمائية وأكثرها رسوخاً وقيمة , ظهرت الموجة في نهايات العقد الخمسيني وتحديداً في عام 1958 . آذ تعتبر المجلة السينمائية الشهيرة ( دفاتر السينما ) البوابة التي ولدت منها الموجة برئاسة بازان في ذلك الحين . تعد الموجة انتفاضة لمجموعة من النقاد الشبان الذين حاولوه أن يبرزُ تمردهم على القالب الاعتيادي المتخذ من قِبل الصناعة السينمائية الفرنسية . والبحث عن أساليب جديدة ومنهج مختلف في تغيير المسرب الناتج عن اللغة للمناهج المقدمة . أن كان شكلاً آو نوعاً .. من أهم صناع الموجة الجديدة _ جان لوك غودار , فرانسوا تروفو , اريك رومير , كلود شابرول , آلان رينيه , أنيس فاردا , جاك روزيه , روجية فادم , جاك ريفيت .. الخ . حيث تمكنت تلك الفئة من الشبان على تقديم الموجة للعالم , والتي كانت بدايتها مع ما قدمه كلود شابرول في (سيرج الجميل) , وفي ذات العام قدم تروفو احد أهم أعمال الموجة من خلال رائعته 400 ضربة والتي لاقت حفاوة نقدية واسعة . أما غودار فنبرى بعد عام من عمل تروفو ليفك الستار عن فلمه (منقطع ألأنفاس ) الذي لقي ترحيب تجاري ونقادي واسع لا يقل عن ما قدمه زميلة تروفو في 400 ضربة .

أراء حول الموجة :

تنقسم الآراء النقدية حول الموجة الفرنسية إلى عدة وجهات نظر . والتي برزت في العديد من المقالات النقدية والكتب السينمائية والتي تصدر إلى يوماً هذا , فمن تلك الآراء التي تضع الموجة في منصة الاتهام كونها تيار سينمائي لم يأتي بالشيء الهام والجديد , بل أنها سبب رئيسي في تراجع السينما الفرنسية في مطلع العقد السبعيني وذلك لتأثر الصناع الشبان بروادها ومحاولتهم صناعة صورة منسوخة عما يقدموه و هذا الأمر الذي شابه العديد من الصعوبات وفشل ذرع قاد إلى نكسة في الفن الفرنسي . ناهيك عن الاتهامات التي طالت الموجة حول محاولتها قولبة موجات سينمائية هامة كانت مرادفة لها مثل سينما الفيلم الأسود (النوار) الأمريكية وسينما الواقع الايطالية. أما الجبهة الثانية فاعتبرت انه الموجة الفرنسية الجديدة موجة جمالية ذات كيان متفرد وخاص , ولقبوها بالمدرسة السينمائية ذات النتاج الفلسفي والفكري المتحرر , والتي كسرت الحد الفاصل بين سينما الهواة والاحترافية والتي خلقت من بينها العديد من الصناع الهاميين والبارزين وعدة أسماء في الفئة التمثيلية , كونها كانت تستقطب كوادر هاوية , وتقدمها كشخصيات رئيسية في إعمالها . ويَجدر بذكر أن للموجة الفضل في وضع عدد من المصطلحات السينمائية الهامة , كمصطلح سينما المؤلف _ تلاشي مفهوم المؤلف ويصبح المخرج هو كاتب السيناريو _ وأيضاً خروج المشاهد من بين الاستوديوهات إلى الشوارع الباريسية واستخدام اقل معايير من المؤثرات الفنية والتسجيل المباشر لصوت واستخدام الإضاءة الطبيعية , ولن أغض النظر عن كسر أهم أسس المونتاج من خلال تغيير أسلوب تقطيع المشاهد ومحاولة الارتجال في الحوار والأداء .

تجربة شخصية ( رأي خاص لكاتب المقال ) :

من خلال متابعتي للعديد من إعمال الموجة الفرنسية وقراءة عدة مرجعيات وكتب تتحدث عن هذا التيار السينمائي , أجد انه الموجة تستحق أن توصف بالمدرسة السينمائية , أسوه بالعديد من المدارس السينمائية الأخرى مثل التعبيرية والسريالية والتجريدية وحتى الواقعية وسينما الفيلم الأسود . ودليل ذلك ان لهذا اليوم ما زالت الموجة حاضرة في العديد من الملتقيات السينمائية وبين مختلف النقاد , والاهم انه ما زالت إلى اليوم تؤثر في الصناعات السينمائية في مختلف دول العالم  . أرى أن الموجة هي شخصنه ذات خصوصية فريدة أكثر من تيار سينمائي ذو معايير آو ركائز وأسس ثابتة . ولو لاحظنا أن ولادة واندثار الموجة مقرون بتلك الأسماء التي فجرت أول معالمها . ولهذا قلت أنها موجة شخصية , متعلقة بعدة أسماء . ولهذا الى يومنا هذا لم تتم تعريف الموجة بشكل حرفي من قبل صناعها , بل انهم في معظم احاديثهم عن الموجة لم يتطرقو الى تعريف كامل لها ولم يظهرو السمات البارزة والمتفردة بها . رغم محاولة النقاد في تشكيل وبلورة صورة عن أهم أطرها . ومن هنا يأتي الاختلاف النقادي حولها . وبنسبه لي اجد ان المدرسة الفرنسية الجديدة حالة تعكس تلك الفئة من الصناع . هي امتداد لهم ومرآة لواقعهم ولذكرياتهم وافكارهم الشخصية وادراكهم لمعالم الحاضر والمستقبل وحتى انها تعبر عن ما في نفوسهم من فلسفات عن الحياة . واذكر من هذا المنطلق ما قدمة فرانسوا تروفو في فلمه (400ضربة ) والذي تم تصوير في الحي الذي نشأ فيه مخرج العمل وأعترف فيه تروفو انه يتحدث عن ذكريات ضبابية اعتاشها بشكل شخصي , ومن ذات المنطلق اذكر محاولة تروفو ذاته على اقتباص رواية الخيال العلمي (فهرنهايت 451) والتي ابتعدت عن الخيال العلمي وحاولت ان تسرد مؤامرة الحضارة والنظام حول تدمير الواعز الفكري والثقافي لدى الشباب من خلال مشاهد مطولة لحرق مجموعة من الكتب الهامة ومنها المجلة السينمائية التي ولدت من خلالها الموجة _كراسات السينما_ . أما بنسبة لاحد اهم صناع الموجة (جان لوك غودار) والذي اعتقد انه الاكثر تأثير في مسارها وجنوحاً عنه رفقاءه وأخلاصاً لأسسها , فقد حاول ان يخترق كافة الاشكال الفكرية والفلسفية التي توغل في نفسه من خلال انتقاد لاذع للرأسمالية الامريكية وتلوث الفكر الشبابي والعولمة وانتهاك الاخلاق الانسانية واغتصاب الروح وتهميش الهوية الشخصية وبعث الايدلوجية الراديكالية في ما يقدمة , جان لوك غوادر يحتفي بالسينما المشهدية فهو رائدها ويغلف سينما بسخرية جارفة من كافة امور الحياة وحتى السينما , فهو كما ذكر في احد مقولاته ( انتقد الحياة وصناعة السينما من خلال صناعتي لسينما ) , ناهيك عن الاحترافية في تقديم السينما كلغة تجريبية والبحث عن الفن التجريدي من خلال عكس التخمة الفكرية والفنية في عقلية هذا الصانع من خلال مشاهد تحتفي بجمالية الصورة . والحديث يطول عن ابرز تلك الحالة التي طفت على ابرز مؤسسي الموجة وبتالي انعكس على اعمالهم . كما ذكرت الموجة حالة شحصية لصناعها في بداية المقال وهو ماجعل الصناع يختارون ابرز الممثلين والممثلات من خلال علاقات شخصية , ولهذا ارى ان الانفعالات الناتجة عن تأثر الموجة الجديدة بكل من سينما النوار الهوليودية والواقعية الايطالية خلقتها الاراء الشخصية لهذه الكوكبة من الصناع . ومن هذا المنطلق اتخذ انه الموجة لم تعكس التيارت التي سبق اثرها بغرض عمل نسخة مطابقة بشكل مجدد كما اردفت في الجزء السابق من المقال بل هي حالة من الانكباب على تعظيم تلك الموجات والتهليل لها ومنحها شرف التكريم . أجد انه الموجة وظفت العديد من الأسس التي بدت لي ذات اهمية ومتفرده عن غيره من الموجات . فأستطاع الموجة ان تجعل من الصناعة السيمائية ذات صفة فنية من خلال جعل المخرج كاتب وملتقط الصورة في ذات آلان , والابتعاد عن النماذج الاعتيادية والقوالب المستهكلة لتصنيف المتعافرة في السينما . ناهيك استغلالها لأرض الواقع البحت والشارع الدرامي ومحاولتها رسم ابرز الاقتباصات النصية من الاعمال الادبية مما يجعلها ناقلة للجانب الثقافي للمتلقي بقالب بسيط وممتع وساخر في بعض الاحيان . يؤخذ العديد من صناع السينما على الموجة محاولاتها الدوران حول الافكار الهامه وعدم التعمق فيها بشكل اللازم والطرح العبثي والتقطيع المزعج للأحداث والاختلال في التسلسل الحدثي لنص مما يجعل السيناريو ذات طابع عبثي غوغائي مما يشكل صعوبة عند المشاهدين في تلقية بشكل مريح ومثالي , وارى ان تلك الحالة حقيقة لا شك فيها منوطة بعدد من الصناع بشكل خاص ولا تشمل كافة اعمال الموجة , ومع انني اعلم يقيناً ان الموجة تميل الى بعث الافكار بشكل ضبابي , والتقديم العشوائي الا انني وجدت ان تلك السمة جعلت من الموجة كالريح التي تضرب الستار بخفة لتقوم بازاحته بشكل بسيط جاعلة لأشعة الشمس تضرب زوايا الغرفة بخفة وجمال متناهي . مما يجعل المشاهد اكثر انفتاحاً وحرية لتلقي الفكرة والغوص فيها بشكل شخصي مما يجعل الصناعة السيمنائية اكثر افقاً وجنون وبهجه للمتابع ..
الموجة الجديدة . هي حالة خلاقة قادرة على بسط متعة على ذات المشاهد  .والقاء شتى الافكار والمرور على المفصليات الفكرية والثقافية والمنوطة بصناعها . وخلق حالة من الجمال التصويري والحرية والخيال والواقع في ذات اللحظة . والتي تخللها العديد من المؤثرات التقنية والفنية . ولن اتناسى انه الموجة احتفت بالشعرية الفرنسية والغموض والجريمة النوارية وواقعية الشارع وقدمت جزء من اعمالها بمنحى السريالية ودعمت التجريبية . وخلقت فارق هام وبارز في تاريخ السينما العالمية .

حكايات الموجة الفرنسية " في عشرة أفلام "

1- منقطع الأنفاس  / جان لوك غودار


À bout de souffle - 1960

يكمن في هذا العمل العديد من المفارقات الهامة والتي من خلالها أرست المفهوم العام للموجة الفرنسية . فأستطاع جان لوك غوادر أن يخلق مزيج مثير ما بين الحبكة الدرامية النوارية والسينما الساخرة والقالب الدرامي الناقد للمجتمع والفرد . غوادر خلق حالة من الشعرية والعاطفية بين فتاه جامعية أمريكية تبيع الصحف في احد شوارع باريس وبين مجرم فار من العدالة بعد قتله احد رجال الشرطة الفرنسية . غوادر يحتفي ساخراً بالجريمة الهيتشكوكية والعُقد الإجرامية ,, ويسرح بعيداً بين مرايا غرفة تلك الفتاه الشابة (جين أسبيرغ ) والتي تظهر أنها تستغل جاذبيتها وسحرها على هذا الشاب المهووس فيها . تلك العلاقة التي كانت تبرز حالة من تأثير الأنثى على الذكر أو تأثير الأيدلوجية الرأسمالية والمصالح الشخصية على العلاقات العاطفية واندثار المعنى الأخلاق  . جان لوك غوادر يقدم مجموعة من علامات التساؤل حول تلك الضبابية وأحيانا السطحية حول شخوصه . فتلحظ أن كل ما يعاث العمل هامشي وفارغ ماعدا جزء من المشاهد العاطفية الرائعة بين الشابة الأمريكية (جين اسبيرغ ) والشاب (جان بول دايموند) والتي تعبر عن الجزء الأكثر سامية وعذوبة بالعمل . رغم تلك الحوارات الواقعية والساخرة الجذابة المتبادلة بينهما . (منقطع الأنفاس ) حالة من الجري والجري حول مواكبة المجتمع والسير في ركبة . و تعمل تلك الحالة على قطع أنفاس الفرد وتلاشي معالمه واختناق روحة وانعدام هويته ليصبح مجرد نسخة مطابقة لكافة القطعان البشرية التي تسير فيه . _وهذا ما جعل تلك الفتاه تلمس شفتيها مقلدة لعادة ذلك الشاب في خاتمة العمل _ في فكرة تعبر أن المجتمع يغتصب الأفراد يفك بكارة عذريتهم ويؤدي بطموحاتهم وأخلاقهم وأحلامهم إلى حافة الهلاك . اعتبر أن عمل غودار هذا أهم أعمال الموجة من الناحية التقنية فمن خلاله ظهرت العديد من المفاهيم التقنية ومنها سينما المؤلف وتداخل التسلسل النصي والتفكيك ألنهجي وغيرها .

2 - هورشيما محبوبتي / آلان رينيه


Hiroshima Mon Amour - 1959

يخلق آلان رينيه حالة فرية مابين السريالية والواقعية في عمل مثير للجدل .. هورشيما محبوبتي حالة عظيمة تكتسي أروقتها أبداع تصويري لا مثيل له و كوكبة من الحوارات الشاعرية والفلسفية التي تترامى في كافة دقائق العمل . يسرد العمل قصة ممثلة فرنسية تسافر لليابان لتقديم دور في احد الأفلام الرافضة لشذوذ الحرب والمطالبة بالسلام العالمي , لِتلتقي بأحد الرجال اليابانيين وتبدأ علاقة بينهما .. رينيه حاول قدر الإمكان التوغل في شخصية الفتاة الفرنسية و الشاب الياباني , وتلك الحالة من الدمار النفسي التي خلفته الحرب في نفسيهما . فلممثلة كانت تعاني من مأساة مقتل حبيبها الألماني أعتاب الحرب العالمية الثانية , والشاب الياباني كان يعاني من صدمة سقوط القنبلة النووية على هورشيما . تلك الخلفية من الرثاء ومحاولة أيجاد السلام . هنا السلام علامة شخصية ذاتيه لتلك الشخصيتان وأيضا تعبر بشكل عام . فالحرب قبل أن تدمر ما يحيط البشر فهي تحطم أركانهم الداخلية وتضطهد مشاعرهم وابرز أفكارهم وأحلامهم الخاصة . رينيه في عمله هذا جعل من العمل السينمائي عبارة عن قصيدة شعرية يلقيها تارة بكوكبة من الصور وتارة أخرى بأجمل العبارات الحوارية .

3 - 400 ضربة / فرنسوا تروفو


The 400 Blows - 1959

الثأر الطفل أو الطفل الثأر الذي يتقلى شتى الضربات . ضربات موجعة من أسرته الكادر التدريسي ومجتمعه الرث .. تروفو يحاول أن يبرز جزء من عالمة الخاص في هذا العمل . الذي كان اقرب أعمال الموجة الجديدة إلى الواقعية الايطالية . لخلق تلك الحالة حول شاب مراهق ينبذه مجتمعة وينبذه هو بالتالي .. معالجة تروفو لهذا العمل جاءت بشكل واقعي  ويغلب عليها التأثير العاطفي .. ليقدم الهوة الكائنة في شخصية المراهق أنطوان دونيل , فبعد صفعات متتالية بدايتها مع  والدته مع خلال خيانة زوجها والعنف الشديد الذي يتلقاه من أحد أساتذته وأخيرا جره إلى احد مراكز التأهيل كونه متهم بسرقة . تروفو جعلنا نرى نظرة المجتمع لهذا الشاب وكأنها شيطان بشكل طفل . والصدمة التي يتلقاه الطفل من سوداوية عالمة وكذب الكبار والمشاعر السلبية التي غلبت عليه . والتي جعلت هذا الطفل يفقد براءته أمام عفونة ما يحيط بيه , والتي جعلته يجري دون هدى ليصل إلى احد الشواطئ موشح وجهه إلى الكاميرا في تعبير فارغ يلوم الجميع من خلاله  على نضوب طفولته سريعاً وبلوغه بشكل مفاجئ .. ما قدمه تروفو في هذا العمل قد  قدم الموجة الفرنسية للعالم , وجعل منها تيار مهم ويلفت انتباه نقاد وصناع السينما أليه , ومما لا شك فيه أن (أربعمائة ضربة ) العمل الأقرب من أعمال الموجة للجماهير وذلك لابتعاده عن العديد من الإشكاليات التقنية المعتادة والقوالب السطحية التي اعتادت عليها هذا التيار .

4 - الجزار / كلود شابرول


Le boucher - 1970

رغم أن عمل الفرنسي كلود شابرول هذا قدم بعد عامين من اندثار الموجة الفرنسية الجديدة ألا إني أجده امتداد لهذا الموجة . الجزار والذي يتطرق لقصة عن مجموعة من الجرائم التي تحدث في احد القرى الفرنسية ,, والذي يُعد من النوعية القريبة من سينما الفريد هيتشكوك والتي تحتفي بالغموض وقالب الجريمة للفيلم الأسود . ولكن ما أثارني في هذا العمل هو الجانب ألمشهدي البديع للمخرج كلود شابرول , والتقطيع للمَشاهد بشكل مثير . والذي راقني بشدة . شابرول حاول كما معظم رواد الموجة أن يضع علامة بارزة حول تلك الحالة من الضياع والهوس التي تزرعه الحروب في النفس البشرية , مما تجعلها رهينة لإدمان شذوذ الدماء والقتل . العمل وكعادة أعمال الموجة تماهى بالقالب المثير والعلاقات الشاعرية والمتعة في التسلسل ألحدثي  . ناهيك عن العلامة الإنسانية البارزة .

5- ليلتي مع مود / اريك رومير


Ma nuit chez Maud - 1969

الحرية المطلقة احد المصطلحات التي تندرج تحت مسمى أساسيات البشرية , ولكن ان توغلنا بشكل اللازم في هذا المصطلح سنجد انه ليس هناك ما يسمى حرية مطلقة او حرية جزئية حتى .. نحن نعلق دوماً في دوامات من الشك او الحدود التي ترصدها العقائد والمعتقدات وبِالكاد الحضارة والطبقات .. نحن نوشك على جعل العالم مجرد طوابق مبنية من الإخفاق المستمر مع ذاتنا , ونجعل من علاقاتنا شيء بالغ التعقيد والغموض من منطلق إننا نتبع سياسة الاختيارية .. شيء مثير اننا نطبق العمليات الحسابية على مجمل امور حياتنا فلابد من جمع وطرح وبالمقابل لابد ان يكون هناك ناتج من عمليات حياتنا ..؟؟ ومن هنا تأتي ثورة التلاشي في الفطرة , التوغل في المشاعر وجعلها المحرك الرئيسي لنا .. ليس هناك في الحياة قاعدة محددة وليس في الانسانية من شر مطبق تحت مسمى الشيطانية ,  وبتالي ليس هناك من براءة تامة من منطلق الملائكية .. فلما نجهض كل لحظة ننتشي فيها الحرية المطلقة في خوف يطبق على روحنا ..  يمتاز أسلوب المخرج أريك رومير بالرتابة والتركيز على الشخصيات الرئيسية وإضفاء أجواء تغلب عليها الواقعية والحوارات الجذابة المرصوفة والجدال الفلسفي العميق . لعلي أصف رومير بأكثر صناع الموجة ثقافة واقلهم شهرة , على الرغم من تلك الروائع التي تكتنز في ما قدم .. ليلتي مع مود من أكثر أعمال الموجة تأثيراً في شخصياً .
تلك المسألة التي حاول اريك رومير ان يوضح سماتها من خلال رائعته (ليلتي مع مود) في حالة من اصطدام أربع شخصيات او بالأحرى ثلاث شخصيات تدور في فلك جدلي فلسفي في البحث في مثلث له ثلاثة أضلاع ( العقيدة والأخلاق , الطفرات والحريات , المشاعر والأحاسيس ) تلك الأضلاع التي في كثير من الاحيان لا تتقاطع معاً وبتالي ان حاولنا التواصل مع أحداها بشكل التام نخفق في الحصول على الاخرى . شيء خلاق ان تعبر الشخصية عن فئة وكيان منفصل في المجتمع الإنساني . فسرد رومير علاقة بين مهندس اعزب وصديقه الطبيب ولقائهم في منزل فتاة مطلقة تسمى (مود) . رومير حاول ان يجذب انتباه المشاهد الى التعقيدات التي تخطف العلاقات البشرية من خلال علاقة مود وذلك المهندس.  وبذات الان بساطتها من خلال اعجاب المهندس في فتاه التقاها مصادفة في احد الكنائس . العمل يخلق حالة من الانجذاب والنفور بين البشر دون أي سبيبية , فهي عملية تتلاعب فيها ازدواجية الخيارات الإنسانية وسخرية القدرية وعبثية الصدف واخيراً المثلث الذي يكون سمات الهوية البشرية . عمل قدم بشكل مذهل ويمتلك العديد من الإبعاد بين حواراته .

6 - لعيش حياتي / جان لوك غودار


vivre sa vie - 1962

(أعر نفسك للآخرين ولكن أعطي نفسك لنفسك ) - مونتين ..
البشرية بيت الجسد والروح ,, تلك هي الفلسفة التي أطلقها جان لوك غودار , بسرده قصة امرأة مطلقة تحاول أن تحقق أحلامها وطموحاتها فتصدم مع الواقع الرث , فتنجر الى العمل في الدعارة , فحاول جان لوك غودار يجعلك تشعر انه ينتمي بشكل أو أخر إلى السينما الصامتة , نت خلال تلك الإيماءات والنظرات التي قدمها آنا كارينا, والتي كانت بمثابة محاكاة حقيقة للمشاهد وكانها تتضرع له عن قسوة الحياة , غودار أيضا مخرج يهتم بالقالب المشهد الصوري أكثر من النص والحوارات لذا تجد أن أهم مفترقات العمل والأفكار فيه كانت من خلال ألصوره واستخدامه لظلال لتعبير عن الأنا الداخلية للبشر ومشاهد الكلوز اب الضبابية للوجه ومداخل ومخارج الغرف لوصف حاله البشر من الخارج والداخل ,, أما من منطلق أخر العمل لم يخلو من الإيحاءات عن اللاهوت الشهواني ألذكوري ومحاولة السيطرة على المرأة واستذكر في رائعة غوادر "منقطع الأنفاس" حاول فيها إن يعبر عن تأثير المرأة في الرجل وهنا يظهر العكس , أرى أيضا أن شخصية نانا كانت تعبر عن البشر وان مزاولة عملها كفتاه بائعة هوى لم تكن ذات إيحاءات أخلاقية بشكل التام بل هيا ذات رؤية اجتماعيه لعيش الحياة فلو جزمنا إن شخصيه نانا تعبر عن الفرد وان بيع الجسد هو تعبير عن العمل المرهق والمسؤوليات التي تختنق فيها الطموحات والأفكار البشرية لوجدنا أن اغتصاب نانا يعبر عن ضياع الفرد في قسوة واقعه , وبين مسؤولياته وموت كافة الأفكار التي كانت تمتلئ فيها ذاته ..
"حياتي لأعيشها"  هيا لوحة قدمها المخرج الفرنسي جان لوك غوادر بأسلوب مشهدي احترافي وبأداء مثالي من النجمة آنا كارينا ليطرح فيها تلك الفلسفية , التي تحملها الحياة للفرد من قسوة العيش وانهيار الأحلام وفقدان الهوية , وعدم ألقدره على الاتصال وسيطرة المادة والرغبة عليها , و انه لا مهرب من تلك الغوغائية والسوداوية ألا بالموت وحرية الروح في النهاية ..

7 - الجلد الناعم / فرنسوا تروفو


La peau douce - 1964

احترت بين خيار هذا العمل وفيلم تروفو الأخر (جول وجيم ) ولكنني في النهاية اخترت الجلد الناعم وذلك لقدرة فرنسوا تروفو على تغيير دفة المادة التي يطرحها بعادته , تروفو صنع عمل برجوازي متين . أستطاع فيه أن يعبر عن سخافة وجنون العلاقات الإنسانية وان يدعمها بروح الجريمة الهيتشكوكية بشكل ممتاز . يسرد العمل قصة كاتب مشهور متزوج يلتقي في احد الفتيات الشابات في احد ندواته , فيتعلق به ويدمن وجودها في حياته , حتى انه يحاول أن يتخلى عن حياته السابقة من اجلها . تروفو هنا قلب موازين العمل وصنع حالة من الصراع الثلاثي بين ذلك الرجل الأربعيني وبين زوجته وعشيقته ,. وتوغل في العواطف والشهوات الإنسانية الغير سوية . تلك العلاقات التي عبرت بسخرية عن الذات البشري ومدى جنوحها وتأثرها بنزواتها وعواطفها .

8 - كيلو من 5 الى 7 /  انيس فاردا


 Cleo From 5 to 7 1962

 يمكن ان نجزم ان هذا العمل اهم ما قدمته المخرجة انيس فاردا في مسيرتها , نظراً للحفاوة التي تلقاها هذا العمل , كيلو من 5 إلى 7 , حالة مثيرة وممتعة للغاية , حول مغنية فرنسية يشتبه انها مصابة بسرطان , فيتم أخذ خزعة من جسدها ,ويطلب منها طبيبها ان تنتظر لمدة زمنية لظهور النتائج . تأخذنا المخرجة انيس فاردا الى عالم تلك الفتاه التي أصبحت تشعر بالموت يقترب من روحها , وهنا تبدأ رحلة قصيرة في ذكرياتها والأشخاص المقربين منها حتى أنها تقدم على علاقة مع احد الجنود التي تتلقيه بالمصادفة وتعمل تلك الأحداث على تغيير منظورها للحياة  . انيس فاردا تقدم عمل فخم ولذيذ للغاية , محموم بحرارة عاطفية وإنسانية عالية , تدغدغ مشاعر المشاهد بشتى ألوان البساطة والواقع .

9 - مصعد الى المقصلة / لويس مالي


Ascenseur pour l'échafaud  - 1958

 المخرج الكبير لويس مالي لا يعتبر من احد مؤسسي الموجة الفرنسية الجديدة , وذلك لأنه قدم العديد من الأعمال قبل ظهور الموجة ذاتها , ولكن الكثير من النقاد يعتبر عمله (مصعد الى المقصلة ) أحد أعمال الموجة .. مالي مخرج عظيم واعتبر هذا العمل من الأعمال المفضلة لدي , فقد جمع كلاسيكيات الفيلم الأسود بالشاعرية الفرنسية بشكل بديع ورائع . يسرد العمل قصة أمراه متزوجة (جين مورايى ) وعشيقها , اللذان يخططان على قتل الزوج . وفي بعد القيام بتلك العملية, يعلق المصعد في مبنى شركة الزوج وبداخلة العشيق .. ما يميز هذا العمل هي تلك الحبكة المختلفة عن إعمال الجريمة المعتادة . فقدم لويس مالي حالة من الرثاء والمخاوف لدى الزوجة من فقدان العشيق وتلك الأفكار التي آخذت تتداعب مخيلتها بسبب غياب العشيق المحجوز بين جدران المصعد وبين الصراعات المثيرة للعشيق للخروج من المصعد وفي الطرف الأخر تخلق حالة من سخرية القدر بسرقة سيارة العشيق من قبل شاب وفتاه والتي تؤدي الى جريمة قتل اخرى . العمل استطاع ان يخلق سلسلة من الإحداث المثيرة وفي ذات ألان أن يجعلنا نتعاطف مع تلك الشخصيات الضائعة بين نزواتها الذاتية وشهواتها المادية وأحاسيسها العاطفية ومخاوفها الداخلية بشكل ممتاز .

10 - العام الماضي في مارينباد / آلان رينيه


L'année dernière à Marienbad - 1961

آلان رينيه شاعر سينمائي حقيقي . وأكاد أجزم انه في عمله هذا, قدم أحد التحف الخالدة في بهاء السينما العالمية . العمل قدم بطابع السينما السريالية الممزوجة بقالب الرومانسي . والتي تغلب عليها المشهديه الخلابة والحوارات الشعرية . آلان رينيه حاول ان يرسم لنا شخصياته الثلاث الرئيسية في احد الفنادق السياحية الضخمة . فجعل من الغرف تعبر عن الأنا الداخلية لتلك الشخوص . التي تتلاعب فيها نزواتها وعواطفها ومخاوفها الشائكة . يسرد العمل قصة شاب يدعي انه التقى  بسيدة متزوجة في العام الماضي في ذات الفندق , وتنكر تلك المرأة ادعاءات هذا الرجل .. استطيع القول ان هذا العمل قادر ان يخلق حالة من التوتر لدى المشاهد , حول تلك الزوايا من اراء الرجل والمرآة المتزوجة واي من تلك الآراء حقيقية وأي منها وهم . فالعمل يجعل الوهم حقيقة , والحقيقة وهم .. في صورة إبداعية سريالية عاطفية . ستخرج منها بالعديد من التساؤلات والأفكار في النهاية . لتصف العمل بتحفة البصرية الفنية ..

. لا تعتبر الاعمال المقدمة من قبلي , أهم الاعمال في الموجة الفرنسية الجديدة . ولكني اعتبرها المقدمة ألامثل للبداية مع هذة المدرسة السينمائية الهامة , والتي وصلت اعمالها .  في الـعشرة سنوات التي أمتدت فيها , الى ما يوازي المئة عمل , كان لي التجربة مع مجموعة لا بأس منها .

كتب : عبدالرحمن الخوالدة .  

السبت، 2 مارس 2013

The Master - 2012


بول توماس اندرسون يفتح نافذة من مصرعيها للعديد من الاسئلة أمام المشاهد , ويعاود يغلقها بشكل مثير للجدل !! ,, (السيد) من الاعمال التي أخفقت بشكل جزئي من عمل حلقة للأتصال بين المشاهد والعمل , فهو عمل يحمل أفق واسعة وافكار ممتازة , ولكنه افتقد للموضوعية وتماهى بالغوغائية .



أي عمل سينمائي يتخذ منحنى احادي التفكير فهو عمل لا يستحق البحث فيه والولوج إلى ابرز ما قُدم .. ومن هنا تأتي الأهمية مما خلقه المخرج بول توماس اندرسون في اخر اعماله (السيد) فنحن في حالة فريدة من نوعها ,, تعطي مساحة في البحث عن العلاقة ما بين الدين والأخلاق والفرد ؟؟
تلك العلاقة التي نحاول التواصل معها دون أي اعتبارات أو وضوح حقيقي لملابساتها.. ومن هنا اجزم أن صعوبة التواصل مابين العمل والُمشاهد تعكس بشكل آو أخر انعدام الاتصال بين الفرد والمجتمع .. بول توماس اندرسون أستحضر هنا احد الديانات المختلقة من قبل المؤلف رون هوبارد _سينتولوجيا_ وهذه الديانة التي خرجت للعلانية في بداية الخمسينيات والتي تعبر احد الفلسفات العلمانية والتي تتخذ من الفرد عبد لطقوسها ألا منطقية والتي تتخذ طابع علمي ولا عقلاني لتنبؤ بنفس البشرية  وتحديد فطرته الغريزية من منطلق أيجاد حالة أكثر روحانية للطابع الإنساني من خلال تهميش العقل والجسد وذلك لرفع القيمة الأخلاقية .. حقيقة لا تهمنِ تلك المفاهيم والتي كان لابد لي من وضعها في بداية مراجعاتي للوقوف على عمل _السيد_ من اتجاهين , احدهما من نافذة ضيقة التفكير وهو التفسير الأكثر رواجاً لهذا العمل وهو إننا ضمن عمل ينتقد تلك الديانة ويسخر منها ويظهر مدى ازدواجية شخصية المختلق لها ,, ومن الاتجاه الأخر وهذا ما اعتبره قراءتي الشخصية وهي أن العمل يبحث في العديد من الأبواب والاستفسارات الفلسفية حول القيود التي ترصدها كل من العقائد والأخلاقيات والمسؤوليات والتي يختنق في ثالوث جحيمي .. دعوني من الحديث عن الأفكار ولننطلق للحديث عن تاريخ مخرج العمل بول توماس اندرسون والقيمة النقدية العالية لمختلف إعماله السابقة بداية من عمله ليلة راقصة ومن ثم زهرة الماغنوليا وسيكون هناك دماء  , تلك الأعمال الثلاث ورغم المواضيع المثيرة للجدل التي تتغزل فيها ألا أن ما جعلها من النوعية الرفيعة المستوى هي الشخصيات القابعة بين نصوصها .. الشخصيات التي كانت تحمل ألثمة الأبرز في ما يطلقه بول توماس في سينماة . فكل شخصية كانت تحاول البحث عن الوجود وعن قيمة ذاتية لها حتى في اردىء المواطن وأكثرها ظلمة .. شخصيات بول اندرسون تعتش في حالات من الازدواجية فأما تكون حرة بشكل فطري حيواني أو مقيده وهامشية بلا روح أو أفكار .. ومن هنا سوف نجد ارتباط بين شخصية فريدي (خواكين فينكس) وبين شخصيات الاعمال السابقة ولكن هنا حاول بول أن يقدم شخصية اعجازية بشكل غريب .. فأن تجمع بين الحرية والعبودية في نفس واحده أمر مثير للجدل ..


بول توماس اندرسون في عمله جر المشاهد الى العديد من الأسئلة إثناء وبعد المشاهدة .. ومنها : سر العلاقة بين السيد (فيليب سيمور هوفمان ) وفريدي (خواكين فينكس) ولما هذا الإصرار في الاحتفاظ بفريدي من قبل الأستاذ ؟؟ , ما الرابط بين الصور التي افتتح فيها العمل بول توماس اندرسون ومنها تلك الكثبان الرملية على شكل سيدة ومحاولة الاستنماء علية من قبل فريدي , او مشاهد الركض في السهول الوعرة وبين مشاهد الطقوس والتجارب التي قام به الأستاذ على فريدي .. ما سر الابتسامة الحمقاء التي ارتسمت على شفتي فريدي في المشهد الختامي في هذا العمل ..!
الرابط بين تلك المشاهد هو محاولة بول توماس اندرسون ان يخلق تلك الفكرة مابين مفهوم الحرية المطلقة التي كان يعتاشها فريدي قبل لقاء الأستاذ .. فريدي كان حالة فريدة من نوعها . وارى انه الحقيقة الوحيدة في العمل . بعكس الشخصيات الأخرى التي وجدتها مقيدة وكاذبة ومنعدمة الهوية .. ولهذا اجزم ان غلافات العمل كانت تظهر الأستاذ وزوجته بشكل منسوخ او صور معكوسة , بعكس فريدي الذي كان يتمركز في نصف الغلاف ليوعز انه شخصية أحادية من الداخل والخارج وتعتش حسب رغباتها الفطرية البحتة دون اي تلوين او تزييف .. في احد المشاهد الافتتاحية يقوم فريدي بدس رأسه بين إقدام جسد المرأة التي صنعها من كثبان الرمال وكأنه يود العودة من حيث جاء من ذلك الثقب الأسود وهو يعبر عن حالة الفراغ ومحاولة التلاشي لدى شخصية فريدي ومن هنا اوجز تمسك فريدي بالأستاذ في الجزء الاول من العمل لانه شعر في وجوديته بالحياة بالعاطفة والحساسية من ترابطه بالأستاذ والتي من خلالها صار عبد لتجاربه الشيطانية , اما الرابط الأخر في المشاهد فهو تلك المساحات الشاسعة التي حاول بول توماس ان ينقلها من خلال صوره ممتدة للأراضي المفتوحة على وسعها ومن جهة أخرى تلحظ مشهد الطقوس الذي أقيم على فريدي وهو محاولته المشي مرارا وتكرارا في احد الغرف ليقوم بملامسة الحائط والنافذة فيفشل في كل مره من اجبار ذاته انه يكمن في تلك الجمادات روح وحياة ؟؟ فهل من المعقول ان تجلب عصفور حر وتضع داخل قفص وان تقنعه ان تلك الجدران اكثر حرية من الفضاء الواسع الذي كان ينطلق فيه .. الفلسفة تكمن مابين الجسد والروح ومن السخرية ان تحبس جسدك مدعي انك تطلق العنان من خلال تلك الفكرة لروحك .. فالإنسان لا يمكن ان تفصل جسده عن روحه او حتى عقلة .
من اكثر مشاهد العمل التي أثارت في نفسي اهم الأفكار المتطرقة للعمل هو مشهد الاحتفاء في احد المنازل , في ذلك الاحتفال الذي يجلس فريدي في احد الزوايا ويبدأ بتخيل الاجساد الانثوية عارية تماماً امامه والذي لا اعلم لما وقتها تذكرت رائد السينما التجريبية الفرنسي جان لوك غوادر ومشاهد متماثلة قدمها في روائعه الاحتقار وبييرو المجنون .. ارى ان ذلك المشهد قدم الآنا الداخلية لفريدي اي ذاته الحره المنطلقة العنان والتي هي تعبد فطراتها الداخلية وغريزتها , ويمكننا ان نفسر العري في هذا المشهد من منطلق ان فريدي كان يرى تلك الشخصيات على حقيقتها دون الخوض في تلك الافكار المزيفة التي تكمن في دواخلها ..



 من هنا سوف انطلق للبحث عن الحالة التي جعلت الاستاذ يرتبط بفريدي والتخوف الذي شعرته فيه الزوجة (ايمي ادامز ) ومحاولة كبح جماح تأثر الأستاذ بفريدي وليس العكس .. ففريدي عبر عن الجزء المدفون في نفس الاستاذ او الجزء المدفون في كافة البشر .. تلك الجزئية من الحرية والمتعة السادية والانحراف ولذا نشهد ان الشراب الذي كان يٌحضره فريدي عبر عن حالة الانفجار الجسدي وأطلاق العنان للحرية وهذا ما يفتقده الأستاذ وكأنه الترابط بين الاستاذ وفريدي ومن هنا جاء المشهد المخزي لقيام زوجة البرفسور بمداعبة العضو الذكري في مشهد لا يعبر عن الشهوانية بقدر ما يعبر عن محاولة تلك الفئة دفن اي بوادر لنزعة الرغبانية والنشوة الحيوانية التي بالتأكيد هي انعكاس للعبودية التي تنشى من خلال المسؤولية والعقيدة بشتى ألوانها ..
في خاتمة العمل يعود فريدي للقاء الأستاذ بعد سنوات وارى ان هذا المشهد هو المشهد الأفضل في عمل الماستر وان لم يكن من افضل مشاهد عام 2012 .. هذا المشهد ولو لاحظنا كان انعكاس خفي للبشرية .. فمع ان حالة البرفسور كانت تظهر للعيان بشكل برجوازي وهام الا انه كان يفتقد الجزء الاهم وهو الروح والحرية , وبعكس فريدي الذي كان يظهر بشكل رث وبائس الا انه كان في تلك اللحظة يعتش في حرية وروحانية تامه .. من هنا تأتي الابتسامة الحمقاء على وجه فريدي ساخر من البشرية اكثر من سخريته من الاستاذ .. فنحن ان اخترنا المسؤوليات والعقائد قيدنا حرياتنا وعواطفنا وان فعلنا العكس فستمر الحياه دون تحقيق اي هدف مادي واضح من وجوديتنا .. تلك السخرية جعلت فريدي في نهاية المطاف يرذف الدموع وكانه ينتحب عن عواطفة وذكرياته مع الاستاذ او يذرف دموع آلاسى على البشر وتلك اللعنة التي جعلتهم  يخفقون في ايجاد الحقيقة الكاملة من وجوديتهم ..


السيد – . لبول توماس اندرسون هو حالة تفرض علاقة متشعبة الفلسفية والتي برزت من خلال شخصية فريدي .. تلك الشخصية التي تماهت في خلق البعد الاكثر انسانية مع مجتمع مشوهه او قطعان فارغة وهشه وغيرقادرة على التعبيرعن ذواتها الداخلية وهذا الفراغ انعكس على مفصليات العمل وامام المثشاهد مما جعله يدخل ويخرج من العمل صريع تلك اللغة والمشاهد . العمل حاول ان يقدم الصراع الأنساني في بحث جاد للهروب من كافة الشكليات والامور التي تكتسب من خلال المجتمع والتي تعمل على أجهاض الحرية المكتسبة من خلال الفطرة .. ومن هنا نطلق تفسيرنا لمحاولة فريدي الهروب من اي شكل كان له التأثير عليه او ربط بالواقع .
في نهاية المقال لا اود الحقيقية التطرق الى ابرز المعالم التقنية للعمل لانه بأختصار شديد من افضل المعالم المقدمة في هذا العام من خلال الصورة والاداء والموسيقى التصويرية التي كانت ذو مستوى عالي ويستحق التكريم والحديث المطول عنه , ولكني اجد اخفق في جعل المشاهد يتصل مع العمل بشكل كلي مما أثار  ردود الفعل المتباينة حول العمل والذي جعلني اجد ان طريقة الطرح كانت سلبية بعض الشيء وتحدها جزء من الا موضوعية ..

4/5

الاثنين، 28 يناير 2013

Zero Dark Thirty - 2012


لتو انتهيت من مشاهدة العمل الذي نال المديح النقدي منقطع النظير لهذا العام  والترشيح في أهم الجوائز النقدية .. Zero Dark Thirty .. كاثرين بيغلو راهنت على جلب فكرة مثيرة للجدل وبقالب ممكن لا يسترعي انتباه الكثيرين .. حول قصة البحث عن زعيم القاعدة أسامه بن لادن ..على ما يبدو أن بيغلو مقامرة محترفة .. استطاعت اللعب بـِ أوراق القضية والتلاعب بخصومها وشركائها والخروج بنهاية بعمل ممتاز ومثير و ذات قالب تقني عالي المستوى .أعذروني لو سميت فيلم بيغلو (ساعة الصفر ) ومع ان اسم العمل يرمز الى الثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل , لزمن الذي قتل فيه زعيم اكبر مجموعة إرهابية أثارة الرعب في العالم ..


لكنه استرعى انتباهي الصفر الذي بعد الثلاثون دقيقة من العملية .. ذلك الخواء ,, الفراغ ,, الذي وصفته كاثرين بيغلو في مشهدها الختامي بجلوس شخصيتها الرئيسية العملية مايا (جيسيكا جاستين ) في قمره احد الطائرات العسكرية الخالية العائدة الى الوطن .. بعيون خالية او متأملة للذكريات .. عائدة إلى الوطن .. دامعة ,, هل هيا نشوة الانتصار .. ام هيا غصة أعقبتها تلك الملاحقة التي استمرت لسنوات ..
لا أود الدخول في تفاصيل العمليات الاستخبارية ولا حتى في الولوج الى طرق التعذيب الجهنمية التي أوصلت الأمريكان لدخول الى وكر زعيم القاعدة وهو بين أطفاله .. لا تسترعي انتباهي اتهامات مجلس الكونغرس لبيغلو والتصريح بأنها قد تماهة وأسهبت في عرض العضلات الأمريكية في تعذيب عناصر من تنظيم القاعدة .. ليست تلك الحيثيات _والتي اعتبرها ذات أهمية _ نالت مني شخصياً ,, ما جعلني اطلق على فيلم بيغلو بالمثير للاهتمام هيا تلك الفكرة التي جالت في عقلي .. إلى أين ..! إلى أين ستصل الأمور .. ؟؟ تلك العنجهية تلك الكبرياء الا أنساني تلك الوحشية .. ذلك السواد الذي يعيدنا إلى ساعة الصفر من جديد .. نعم هيا ساعة الصفر , بعد أن يستحيل أي اتصال أنساني بالشخص الذي يقابلك من الطرف الأخر .. فأي كلمة ستسمعها منه هيا لا تعلو على صوت الانفجارات والرصاصات المدوية التي أضفتها كاثرين بيغلو في احترافية في عملها هذا .. لنعد من البداية ,, البداية في تلك الأبواب التي أغلقها كل فئة على نفسها ,, في حرب استخباراتيه باردة , ليست على القاعدة او على الإسلام كما يحبذ الآخرين تناقلها , تلك الحرب التي تجبر الإنسان ان يغلق منافذه إنسانيته لترابط مع الإنسان ,, تلك الوحشية التي لا تترك اي مجال لنور خافت يصل الى الروح ويطلق لها العنان .. نحن وصلنا الى ساعة الصفر التي لا عودة منها .. الساعة التي شعرت فيها العملية مايا انها انتهت من ذلك الادمان والثورة الشخصية للبحث وقتل اسامه بن لادن ولكن بعد ذلك الى اين المنفذ ..


Zero Dark Thirty .. هيا عملية احترافية ,, رهان .. قامر عليه الامريكان ,, لقتل زعيم القاعدة ورمز من الرموز التي جعلت الملايين من العالم ترتعب اثناء طرح اسمه .. ذلك الرعب التي قدمته بيغلو في نفوس كل من حاول البحث عن اسم هذا الشخص ,, وذاته عندما دخل أولائك الجنود في نصف منزل اسامه ليدهس الاطفال ويذرف دموعهم , ليقتل كل ما يتحرك إمامهم دون أي سابق إنذار .. هذا الرعب الذي جعل الطرفين لا يرى الا تلك الاضاءة التي تكتسي كاميرا بيغلو ,, ولا ترى إمامها سوى لغة الدماء . لغة القتل .. فتلك العملية لم تكون سوى من باب رد الدين لدائن .. في نهاية المطاف ..
لن اطلق اي من حروفي حول الحديث عن الباب التقني للعمل مع انه يستحق الثناء ولا حتى عن ذلك الاداء التي قدمتها الممثلة البارزة جيسيكا جاستين _وأتمنى شخصياً ان تكون نجمة الأوسكار لهذا العام دون اي منازع _ ولن اخترق الكلمات لتعريف بأي تفاصيل او الانجرار وراء انتقاد المثالية والوطنية التي اعتاشة فيها قوالب العمل الامريكية .
زيرو دارك ثيرتي .. هيا الساعة التي لطالما انتظرها الجبهتين في اشعال فتيل لانهاية له من الانغماس في الحقد والادعاء واخيراً  الوصول الى نقطة لا نفع فيها من الرثاء ..
9/10

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا