أين تقع تلك النقطة في ذاتي والتي تشغل صفة المفارقات التي تكمن في نفسي ..! ... الى متى ,,؟
الى متى تلك الانكماشيه تعاث بأجسادنا وتصهر أمالنا وتحطم كل مايجول في داخلنا وتعصف بها .. ,, وتجعل من طموحاتنا مُجرد خترفات طفوليه ,,
الى متى سوف تبقى تدق دقائق حياتنا في هذه الدنيا وكلما أستمرت شعرنا بضبابيه تُهشم ماتُحيط بعالمنا ,,!
\
الطبيعة البشرية تستحق ان نخوض تجربة دقيقة في عالمها المجهول والخنفشاريات الرثائيه التي تجردها من أبرز معالمها , لطالما اثارني مفترق الطرق بين ثلاث جدليات , الاولى : القدرية التي لايمكننا الا الرضوخ لسخريتها , والثانية :الفطرة الغريزة التي تجمع مابين رغباتنا الشهوانية ومشاعرنا الحسية ,, واخيراً الثالثة : التقاليد والافكار والعقائدية المروسة لنا والتي تحدد لنا مسار حياتنا وتمثل الفارق مابين السادية والسامية السلبية والايجابية لذاتنا ,, الشيء الابرز اننا كبشر لانستطيع الا ان نلحظ مدى انشقاقنا بين تلك الثلاث جدليات فلو امتلكنا احدها دون الاخرى لما وصفنا بأكرم مخلوقات الله عز وجل ,, فلو حاولنا الولوج الى طبيعية البشر لوجدنا انها الاكثر أعجازية وغموض على وجة الكون ومن العبثيه ان نقيمها ضمن عدد من القواعد والبراهين مما يجعل وصف الذات الانسانية لغز الى نهاية وجوديتنا على هذه الارض , ,,
أستذكر انني في طفولتي كنت عندما اغضب من والدي بشدة اقوم بالذهاب الى غرفتي وأختار احد الزوايا فيها وانكمش على نفسي واكتم انفاسي واقوم بتغطية كافة جسدي بأحد الاغطية واسكن لساعات هناك لأستعادة شريط حياتي في مخيلتي جاعلن الظلام منزلي والعزلة موطني وألذكريات تحتضني بشده حتى اني عندما كنت اخرج من تحت الاغطية أشعر بأني كُدت اختنق بأنفاسي وجبيني سوف ينفجر من غيضي في لحظتها كم كنت أشعر بغضب يتملكني وحالة عصية ترهقني ولكني ما كنت اسمع اسمي يدق جدران منزلنا كنت أشعر انني عدت من الضياع والظلمه التي كنت افرضها على نفسي واقفز راكضاً ملبي صاحب النداء وكأن الحياه تسحبني من جديد الى أروقتها بشتى العابها المحرمة التي تضع الفرد في مفترقاتها ,
في الوقت الحالي عندما انظر الى تلك الذكرى الطفوليه أجد انها تحقق احد الافكار الجدلية في كونية البشر فبتأكيد ان بداية كل فرد كُنت في عزلة خانقة منكمش على نفسك في رحم والدتك ومع انه تلك الفتره لايمكن لأي انسان ان يستذكر لحظاتها الا اننا بفطرية غامضة تجدنا نستعيدها وبمجرد ان مالت الحياه لنا نقوم بلا وعي بالعوده الى العزلة التي بدأنا منها والعيش في ظلام لبعث الروح في مخاوفنا ..! والتصريح بأننا لم نعد نود استكمال رحلتنا فيها ..!
الانسان مجرد مجموعة من المفارقات التي اجدها الصفة الاكثر قيمة في الطبيعية البشرية ومع اختلاف البيئه والاديان والافكار التي تصدح بحياتنا تبقى الصفة المحركة لنا هيا ألمشاعر والاحاسيس التي نعتاشها في هذه الحياه والتي تكسبنا جزءية من شخصياتنا والتي تُمثل سحر خاص في عالمنا , لكل نفس بشرية مجموعة من المحطات التي تسير حياتها وممكن ان تزيحه عن المحطة التي كان يظن انه سيصلها في يوم ما , أجد شخصياً أن ازواجية الجنس البشري تمثلها مدى العجز والخوف والضعف التي يتملكنا, فلو افترضنا ان رغباتنا في وجودية الاخرين في عالمنا تكمن في صراعنا الدائم مع العزلة والاّلام التي أعتشنها ولذا تجدنا عند افتقاد شخص قريب منا نعزل انفسنا ونصدح بوحدتنا لكي نتناسى مافقدانه بشتى الاحوال او نتمسك بتلك الذكريات التي صفت في مخيلتنا اثناء لقياها ,,
"و لذا عليك أن تعيشها كلحظة مهددة، أن تعي أن اللذة نهب، و الفرح نهب، و الحب.. و كل الأشياء الجميلة، لا يمكن أن تكون إلا مسروقة من الحياة، أو من الآخرين.. فالمرء لا يبلغ المتعة إلا سارقاً في انتظار أن يأتي الموت و يجردهُ من كل ما سطا عليه "| أحلام مستغانمي , ,,
( أما ان تخضع للموت ... لأنك نظرت لما ليس من حقك ان تنظر اليه.. أو ان تقتل زوجي الذي جلب لي العار.. وتصبح ملكاً مكانه .. )
في المشهد الافتتاحي (للمريض ألانجليزي ) تشهد مجموعة من الرسومات التي تجسد افراد يتراقصون على رمال الصحراء وبعدها تشهد بظل يتهادى من الاعلى لِيكون شكل طائره على الرمال أيضاً ,, لتشكل اول تعابير التأملية للمخرج البريطاني ( أنتوني منغيلا) في علامة بارزة لتلك الحقيقة اننا في حالة من البحث في الرمزية والتاريخ والجنس البشري والقاء الظلال على أتساع رمال الصحراء على المجهول التي يقبع في انفرادية وازواجية النفس البشرية , فلو القينا الضوء على سر التقاء شخصيات العمل للحظنا ان مخرج الفيلم تعمد بشكل ما ان يظهر مدى الاختلاف في هوياتهم وجنسياتهم وحتى معتقداتهم واديانهم فلكونت لزلو دي الماشي ( رالف فينس ) كان هنغاري الجنسية والزوجان كريستين وجيفري (كريستن سكوت توماس , كولن فيرث ) بريطانيان والممرضة هانا (جولييت بينوش ) كندية الجنسية والتي تربطها علاقة في منتصف الفيلم بشخص هندي بوذي الديانه وأما احداث العمل تنقسم الى جزئيتان احداها في القاهره والثانية في ايطاليا , وتلك الثيمة الابرز لما أود اثارتها في نفسي في طور التسلسلي الحدثي الذي سأخوضه بعرض جدلية اهم مشاهد العمل والتي تبرز لما يعد هذا العمل واحد من اهم ماقدمة السينما العالمية في التسعينات ..
أنطلق من مسمى الفيلم والذي هو ذاته اسم الرواية الاصلية لـِ (مايكي اونداتجي) فبين كل تلك الجنسيات والامكان المختلفة التي ترصد العمل وبين مسماه الساخر الذي يجعل الكونت الهنغاري لزلو دي الماشي كمريض انجليزي بعد سقوط طائرته في الصحراء في اثناء الحرب العالمية الثانية والمفارقة تكمن في الدائره الدرامية التي حاول انتوني منغيلا ان يسردها بطابع تقسيم الاحداث الى جزئين في جزءها الاول تحدث في الحاضر عند اعتناء الممرضة هانا بذالك المريض المشوه الوجه والجسد وفي حاله جسدية تجعل استمراره في الحياه امر صعب للغايه ومن جهه اخرى تلك الذكريات التي كانت تداعب المريض والتي تسرد قصة علاقة المريض (الكونت الماشي ) و (زوجة جيفري كريستين) والتي اوصلته الى ماألت اليه الامور ..!
لعلي من خلال مشاهدتي لهذا العمل للعديد من المرات يجعلني أجزم انه من الاعمال ذات قيمة فنية عاليه جداً فنحن لسنا ضمن حالة من الحب والخيانه والفقدان فقط كما يذكرها العديد من المراجعين عن العمل بل نحن في تجربة نرجسية ومرثية مؤلمة تبرز المفارقات التي تكمن في النفس البشرية وازدواجية الذات وتصعيد كوكبة من المفاهيم ومنها البحث عن السلام والعزلة والانكماش على الذات عن الفقدان والانتماء بمعنى فلسفي ذو افق لاتعني الاقتران بالمكان بل بالانسان ..!
انتوني منغيلا جعلنا نشهد ملحمة صراع بين كوكبة من البشر متعددي الجنسيات والهويات والاديان تتلاعب فيهم سخرية الاقدار وسوء الاختيارات والأستجابة لسحر شهواتهم ومفترق احاسيسهم وجلافة مسؤولياتهم ومعتقداتهم المروسة لعالمهم , في احد المشاهد عندما يلتقي الكونت الماشي وكرستين في احد الفنادق يقدم لنا احد اهم حوارات العمل , عندما تقوم كرستين بسؤال الكونت الماشي بأسعد لحظات حياته ؟؟ فيقوم بالاجابة ؟ (الان) لتعاود سؤاله عن أتعس لحظات حياته فيعيد ذات الاجابة (الان) في حلقة مفرغة تمثل مدى سخرية المشاعر والاحاسيس الانسانية وتأثرها بالمعتقدات الاخلاقية للفرد , ليكتمل المشهد بسؤال اخر من الكونت الماشي الى كرستين ويسألهَ عن الامر الذي تكرهه ؟؟ فتجيب (الخيانه) لتبادله نفس السؤال ليجيب (الملكية) ..!
لو نظرنا بشتى الاشكال لأجابات الشخصيتين سنجده بمثابه المفارقة في نفسيهما لانه كريستين تكره الخيانه ومع ذالك تقوم بخيانة زوجها والكونت لايحب الامتلاك ومع ذالك في مشاهد كثيره كنت تشعر انه يحاول امتلاك كريستين للحفاظ على وجوديتها في حياته , الانتقال في المفارقات التي وضعها انتوني منغيلا بالعمل لمنعطف الالتزام التربوي الاخلاقي والنشاءه من جهه والاخرى المشاعر والاحاسيس والرغبات الفطرية من جهه اخرى كانت تصدح في كافة احداث العمل فأستذكر طلب الكونت من زوج كريستين ان يقوم بأخذها معه عندما اراد زيارة احد المدن الافريقية وان لايبقيها وحيده هنا معه ومع فريقه كان بمثابة رمزية تدل على محاوله الكونت أن يجهض تلك الرغبات والاحاسيس التي تنسل في جسده والتي تتنافى من الاخلاقيات التي نشأ في كنفها ,
كما ذكرت سابقاً فالعمل بمثابة دراسة مستحثه للمفارقات الذات الانسانية والتي تلونت بطابع الميلودرامية الشاعرية في ظل كوكبة من احاسيس الفقدان والتي تؤدي الى العزلة والتي عبرت عنها بشكل دقيق شخصية هانا والتي قدمت دورها الفرنسية الأخاذه جولييت بينوش بكل احترافية,, هانا عبرت عن البراءه والعطف الانساني وكانت تبرز ايضاً الجانب السامي في الانسانية , هانا التي تفقد خطيبها الذي لقى حتفه في احد المعارك لِتقوم بنقل المريض (الكونت الماشي ) الى كنيسة قديمة في احد المدن الايطالية وكأن هانا تقوم بعزل نفسها وتعيش وحيده مع ألّمها الخاص وتبدأ من جديد واثير تلك الحالة من خلال قيام هانا بالاستحمام وقص شعرها ومحاولة الهرب من واقعها المرير عبر الاعتناء بذالك المريض الغريب والذي أجد انه العلاقة بينه وبين هانا مثلت نوع اخر من الحب بطريقة غزلية انسانية التعابير ففي احد المشاهد يقوم كارفاجيو (وليم دافو) والذي ظهر في منتصف احداث العمل ليوجز ان الحياه هيا سلسلة تترابط معاً من خلال شخوصها , فيقوم كارفيجو بسؤال هانا ( هل تعشقين مريضك ..؟؟ ,, انه ليس بالملائكية التي تظنينها ) فتقوم بأجابته ( انني لا اعشقه , بل أعشق الاشباح , التي هو يعشقها أيضا ..!) وتلك كانت رسالة واضحة تتفجر فيها مدى الغربه التي تعتاشها كافة شخصيات العمل من خلال الفقدان ومخاوفها الذاتية من العزلة والوحده التي تعقب مشاعر الفقدان ولو نظرتم بشكل مكثف لوجدتم ان كافة شخوص العمل عانت من الفقدان بشكل او اخر ,,
أيضا في سلسلة الاحداث المستمره التي تضع البشرية كأداه لعلامات الاستفهام يقوم مخرج العمل بخلق علاقتيني منفصلتين الاولى بين الكونت الماشي وكرستيين والثانية بين هانا والضابط الهندي , وأنني شخصياً أجد ان العلاقتان هما بمثابة مراه تعكس الاولى وجه الثانية , فلعامل الاخلاقي والمسؤوليات جعلت كريستين تبعتد عن الكونت الماشي وتصده في الاولى وفي الثانية الواجب الاخلاقي يجعل الضابط الهندي يترك هانا بين اختيار البقاء مع رماد الذكريات وركام الالام ومريضها او ان تتبع مشاعرها واحاسيسها وثورتها الشخصية ,
-- دعوني اتطرق الى الخاتمه التي اضعها ضمن اجمل المشاهد التي سوف تستذكرها السينما طويلاً وتلك الرسالة التي تركتها كريستين للكونت الماشي والتي اجدها عبرت عن كافة الجوانب التي أرتسمت في العمل :
\\\..عزيزي أنا في إنتظارك , كم تطول الأيام في الظلام؟ و الأسابيع؟ الضوء إنطفىء الآن . وأشعر ببرد رهيب , يجب علي بحق أن أسحب نفسي إلى الخارج , لكن ستكون هناك الشمس ,وأخشى أن أهدر الضوء ...على الرسم وكتابة هذه الكلمات ,نحن نموت , نموت , نموت ونحن أغنياء بالحب والأهل , المذاق الذي تذوقناه , الأجساد التي تكونا بها , ونسبح في الأعلى كالأنهار , الخوف الذي نختبئ بداخلهمثل هذا الكهف التعس , أريد كل هذه العلامات على جسدي , نحن البلدان الحقيقية , وليس الحدود المرسومة على الخرائط , أسماء الرجال الأقوياء ,أعرف بأنك ستأتي وتحملني للخارج إلى قصر الرياح , هذا كل ما أردت ,أن أسير في مكان كهذا معك , مع الأصدقاء ,أرض بلا خرائط , الضوء قد نفذ ..وأنا أكتب ...في الظلام ... \\\
في تلك الرساله انتوني منغيلا يرسم مدى العجز والمخاوف التي تسكن في نفس البشر ومدى المفارقات التي تتلاعب بشخوصهم وتلك الحالة التي تقبع في نفوسهم , فلبشرية لاتسطيع ان ترمز لها بلون الابيض الناصع ولا بلون الاسود الداكن ..؟ البشرية حالة لايمكن لعقولنا الضحله ان تفهمها بشكل الكامل فهي مجرد مجموعة من المفارقات التي نعتاشها طيله ايام وجودنا نغرق فيها ضمن عبثية مشاعرنا وجدلية اخلاقيتنا والعيش في نفق ظلمة اقدرانا , فنحن كما ذكرت كريستين نقوم برسم تاريخنا من ألاّلم والحب والايمان , ونبرز مدى انتماءنا لمن نبث فيهم جزء من مشاعرنا , فلاحدود أو خرائط او حتى لغات أوأديان تعبر عن مايمثله مسمى الانسان ..
بأختصار " المريض الانجليزي " لغة تستحضرها المشاعر والاحاسيس والبحث عن الانتماء من خلال الاخرين في عزلة تنهش الانفس في مرثية للفقدان وعالم من مفارقات ذاتنا كأنسان .. !
على المستوى التقني , شخصياً ارى ان العمل قدم بقالب اخراجي رائع وأداء أسطوري ونص وحوارات ممتازة ناهيك عن الموسيقى التصويرية الأخاذة ,,
تحرير : عبدالرحمن الخوالدة
تعليق واحد على The English Patient 1996
تحليل رائع لفيلم أروع
لك تحباتى