تحرير : عبدالرحمن الخوالدة
تحفة أستعراضية موسيقية تطرح الحياة من زاوية تسخر من جموح وشذوذ الانسانية ..
بعد مشاهدتي لفيلم كابارية للمخرج الامريكي بوب فوسي جلست ايام وانا افكر في العمل بصمت غريب يطبق على انفاسي دون أي مشاهدات اخرى تلية واصدقكم القول انها التجربة الاولى لعمل يصدمني كما هو هذا العمل وأعتقد ان أحد أسباب ذالك الصمت الذي أطبق على انفاسي هو محاولتي الخروج من تلك الحالة الانبهارية بلعمل وسرد الاحداث في مخيلتي والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة طرحت أمامي . كابارية والذي يسرد في الحقبة الزمنية الثلاثينية وفي برلين حصراً قصة احد فتيات الاستعراض التي تعمل في احد الملاهي الليلة وتحلم بأن تصبح نجمة سينمائية كبيرة وهنا يظهر في حياتها شاب مثقف ذو تعليم عالي المستوى ويحدث بين تلك الراقصة والشاب علاقة رومانسية بشكل او اخر ولكن العمل لم يكن لوحة تستعرض المشاعر والاحاسيس بقدر انها تنتقدها بقالب أصفة بالمذهل والمثير والمتفرد , كابارية التي قدمت فيه ليزا مينيلي دور (سالي بولز) الفتاه المجنونة الراقصة الاستعراضيه والتي تود تحقيقي هدفها مهما كان الثمن للوصول الى الشهرة والمال وهنا يقف المخرج بوب فوسي في طرح كوميديا سوداء في استعراضات ملهى كيت كات في لوحات غنائية كانت تعبر عن مافي نفوس شخوصة من طموحات والاّلام وحتى مايتملكها من شذوذ وسوداوية وقبح للمظهر والباطن في أن واحد .
بوب فوسي جعل من الحياه ملهى ليلي ولعل المعروف ان الملاهي الليلة هيا مرتع الشهوه والجنس والملاذات واصحاب النفوذ والمال والماجنات وبائعات الهوى والراقصات وبؤرة من المخنثين والشواذ ومن لايمتلكون أي ذرة من الاخلاقيات او القواعد والاسس في حياتهم تلك كانت صفات الملهى الذي جعل منه صورة لاتتجزء عن الحياة والتي كانت تعبر عن العديد من المفصليات التاريخية في ذاك الوقت من ظهور عدة تيارات منها النازية والفاشية والشيوعية وغيرها والتي أدت بشكل واخرى لتدنيس الحريات ومحاربة السامية وارساخ السادية والعنصرية والتطرفية في نفوس الافراد في تلك المجتمعات , كابارية ورغم تلك الصور والايدلوجيات الهامة التي أستعرضها قُدم بهالة ممتعة ومثيرة للغايه وامتلك نص ادرامي رومنسي جميل واثارة العديد من النقاط التي تسخر من العلاقات الانسانية وتهمشها وتجعل منها مجرد مسرحيات راقصة كاذبة لأمتاع الذات , ولعلي أجد ان العمل سَخر حتى المظهر والقالب التي كانت تظهر فية شخصيات الرقص او الفتيات الراقصات بمكياج منفر او رجولي لأظهار القبح الخارجي واستخدام مثالي للأضاءه والظلال لعكس تلك الظلمة التي تعتش فيها تلك المجتمعات .
كابارية واحد من اهم ماقدم في السنوات السبعينية بلـ اجد ان هذا العمل لم يسخر فقط من المجتمع والافراد وتلك الفئات المتطرفة التي ظهرت فيها تحت غطاء الحريات بلـ تشعب وانتقد حتى الاستعراضات الموسيقية والزوايا التي ترتع فيها تلك الفئات , العمل عبر عن جدلية ذات أهمية غاصت في الزوايا الفاسدة والمظلمة للمجتمعات وعبرت عن خروج تلك الايدلوجيات ورسم بأبهى النصوص والحوارات وعدد من الاغاني والمسرحيات سلسلة من الالّم التي أجهضت المعنى الحقيقي للأخلقيات التي كان مجرد اسم او مفهوم لم يعد له اي معنى .ففي احد المشاهد التي طرحها مخرج العمل جعل ليزا الراقصة الاستعراضيه تجهض طفلها من ذالك الشاب في جملة درامية رائعة كانت تبرز عن الطموح البشري ومدى قبحة عند تلك الفتاه وابراز للأجهاض الذي يحدث المجتمع لأي أسس او اخلاقيات يمكن ان تخرج في تلك المجتمعات . كابارية ورغم انه حصد ثماني اوسكارات ومنها افضل ممثلة رئيسية لليزا مينيلي في دور اضعه ضمن افضل الادوار النسائية في السينما ككل واستحق المخرج بوب فوسي فيها ان ينتزع الاوسكار الاخراجي من فرانسيس كوبولا عن رائعته الاسطورية العراب في ذالك الوقت ولو ان العراب لم يكن متواجد ضمن الاسماء المرشحة في ذات السنه لكنت ضمنت ان هذا العمل سوف يحصد جميع الجوائز الاوسكارية عن احقية واضحة للعيان ولكن الاصتطدام بعمل بقدر العراب في جزءه الاول وحصد ثمان جوائز هامه اعتبره نصر كبير لهذا العمل , واما جويل غيري الذي استطاع حصد جائزه افضل ممثل مساعد وخطفها من ال باتشينو أن ذالك عن دوره في العراب فأني اوصي كل من يطلق العنان لنقد نقاد الاوسكار عن أحقية ال في ذالك الوقت للأوسكار واجد ان دور جويل لم يقل عن دور ال باتشينو اذ لم يكن اكثر صعوبة وتعقيدناً وابهاراً واشح للعيان , كابارية امتلك ايضا استطاع ان يكمل الصورة الفنية العميقة بلغة تقنية لم ارى نظير لها فداعب المشاهد بعدد لايحصى من الالوان الموسيقية الأخاذة والمشاهد التصويرية ذات الزوايا والطرق المتفردة واستخدام ثري للغة الصورة والصوت والالوان والحوارات المثقلة بالمعاني ناهيك عن الديكورات التي كانت تصف الحقبة الزمنية والمكياج الملابس التي تؤدي كلها في سبيل توفير صورة وصول المجتمع للحضيض ..
في الختام : كابارية امتلك اللغة التصويرية الأخاذة والابداع الفني الاستعراضي المتكامل والاداء الاسطوري ناهيك عن النص الهام والذي يجعلني اصف العمل بتحفة استعراضية تجعلة يستحق ان يوضع في اهم القوائم السينمائية التاريخية .
5/5