Lili, take another walk out of your fake world
Please put all the drugs out of your hand
You'll see that you can breathe with no back up
So much stuff you've got to understand
For every step in any walk
any town of any thought
I'll be your guide
For every street of any scene
Any place you've never been
I'll be your guide
قليلة هي الحالات التي أحتار فيها في اختيار عبارة أعنون بها قراءتي, فثمة ثقة دائمة لدي بقدرتي على صناعة "المانشيتات" الملفتة. ولكن هذه المرة يبدو أن مقدرتي قد خانتني..! حقاً لا أدري !.. فكل الأفكار التي وجدتُها كانت تبدو غير كافية.. أنا أمام حالة لا تناسب الوصف بكلمات مفتاحية.. مستوى الصعوبة هنا لم يكن من منطلق ضعف التعبير, ولكنه كان بسبب حكاية يصعب اختصارها بحكمة أو "مانشيت". أخرجُ من الفيلم باكياً مع أغنية النهاية, رغم أن النهاية لا تبدو كئيبة إلى الحد الكافي, متلعثماً في التوصيف, أحس بضعفي وتسرعي في الحكم على الشخصيات كثيراً قبل الدقائق الأخيرة التي صعّدت كثيراً من قيمة عمل بدأ هادئاً جداً أولاً إلى درجة البرود, ويبدو أن هذا إجمالاً من سمات العديد من الأفلام الأوروبية -قديمة كانت أم جديدة- في الخروج الملفت من فكرة كانت تظهر لنا على أنها محور العمل إلى جوانب أخرى, على شكل دراما متعددة الطبقات, الأمر الذي تتعثر هوليوود كثيراً في تناوله, وهذا حال هذا الفيلم الذي لا أستطيع إلا أن أجد فيه من الجودة الكثير من المواضع التي تستحق برأيي الترشح إلى (السيزارات) الخمس التي ترشح لها بالفعل.
ظل الأخوان التوأمان مادة دسمة على الدوام في الدراما كما هي في التشريح والتشخيص وعلم الفلسفة على حد سواء, ولا أدري إلى أي درجة من المصداقية تناولت الدراما إجمالاً الحكايات "التوأمية". حتى في الفيلم الذي أتناوله اليوم إحدى المسائل التي لطالما أحسستُ أن الفن أعطاها الكثير من التهويل. عموماً في البدء كنتُ أرى أن في الفيلم هنا تطويلاً غير مبرر بشكل خاص للحالة المرضية التي عانتها Lili على إثر غياب أخيها Loïc.. ولكن في النهاية وجدتُ أن ما كان من تكثيف في القضية كان ملزماً نسبياً, وعليه فلن أنتقد القصة التي سطّرها Olivier Adam ولعله قام بالبحث والتمحيص الكافيين لذلك. لكن إجمالاً ولكي أبني أحكامي على تجربة, فلقد كان -وما زال- عندي صديقان توأمان "حقيقيان متشابهان تماماً"عايشتهما خلال الدراسة, وليس من الصدفة أن كان مجموعاهما متقاربين في الشهادة الثانوية فدخلا معي معاً ذات التخصص في الجامعة كذلك, وكان لديهما ارتباط نفسي غريب يشبه التخاطر (telepathy) ولا شك أن هذا بالذات هو أحد الأمور التي حاول الأبوان في فيلم (أنا بخير, لا تقلقي) أن يضللاها في ابنتهما Lili التي كان ينتابها شعور غير جيد على الإطلاق عن أخيها الغائب Loïc.
Je Vais Bien, Ne T'en Fais Pas - 2006
دعوني لا أنكر أن Mélanie Laurent ذلك الوجه الساحر الذي طالما شدني هو وراء بحثي عن الفيلم, فالمؤشرات تؤكد أن هذا الفيلم كان بوابتها إلى النجومية الكبيرة النابعة من عشقها التمثيلي الذي بدأ مع طفولتها. إضافة إلى وجود Philippe Lioret المخرج الذي يؤكد سجله الفني أنه يقدم أعمالاً كبيرة أثيرة بمشاهدتها والتوقف عندها لا سيما مع قصص Olivier Adam.. لذا فلا أعتبر أنني غامرتُ بالمشاهدة, فكل المعطيات التي توفرت لدي كانت تنبئ أنني سأشاهد فيلماً جميلاً, رغم أنني آثرت أن لا أقرأ أو أعرف أي شيء عن ذات الفيلم وقصته إلا بعد أن أشاهده...
أنا بخير.. ولو كذباً..!!
== تحذير: نهاية الفيلم مذكورة في المراجعة.
عادت Lili الابنة ذات التسعة عشر ربيعاً من عطلتها الترفيهية في إسبانيا إلى منزل أهلها الباريسي, توقعت أن ترى أبويها وأخاها في استقبالها بعد شهرين من الغياب, فكان أن وجدتهما هما فقط. ولا شك أنه كان من المنطقي أن تسأل الفتاة عن Loïc أخيها التوأم الغائب عن استقبالها, فتم إخبارها أنه غادر المنزل وأن أبويها لا يعرفان مكانه. أما سبب رحيله فكان خلافاً شابه بعض العنف مع والدها في ذات الأمور الروتينية الحاصلة من قبل بينهما. بدت Lili مذهولة نسبياً وغير قادرة على تصديق تلك الحجة, فهي حالة متكررة كثيراً لم تتسبب من قبل ببلوغ هذه الدرجة من الخصام. على كل حال فتحت Lili هاتفها واتصلت فوراً بـLoïc فسجلت له رسالة في بريده الصوتي مفادها أنها تطالبه بأن يتصل بها بما أنها عادت للبحث عن تسوية أو على الأقل سماع أخباره وكيف يتدبر أموره. وزارت أحد أصدقائه الذي ما كان يعرف معلومات عنه مؤخراً, وقال لها أن كل ما يعرفه عنه أنه حمل غيتاره وسجل لها أغنية باسمها فضلاً عن هوسه برياضة تسلق المرتفعات...
ثم مرت الأيام دون أدنى اتصال من الأخ الغائب.. إلى أن امتلأ بريده الصوتي دون أن يرد إلى توأمه الكئيبة أي رد منه, فبات هاجسها الوحيد أن أخاها قد حدث له شيء, كانت تشعر أن السبب الحقيقي لرحيل أخيها ليس ما قيل لها, وسيطرت عليها مطولاً فكرة أن أخاها قد مات فمن المستحيل لـLoïc أن يتجاهل كل هذه الاتصالات والرسائل منها هي بالذات.. لامت أباها على عدم البحث عنه حتى في المستشفيات والفنادق, ولم تكن لتقتنع أن Loïc سيرفض أن يرى أباه أو سيهرب منه مهما حصل فيما لو بحث الوالد عنه. ثم أصيبت Lili باكتئاب حاد, وفقدت شهيتها كلياً إلى أن سقطت صريعة النحول والضعف في الجامعة, ثم نُقلت إلى المستشفى, هناك حيث قرر الأطباء أن مشكلتها نفسية مطالبين أهلها وأصدقاءها بعدم زيارتها مطلقاً ما لم تأكل, سالبين منها هاتفها المحمول ومشغل أسطواناتها الموسيقية وكل أشيائها.. على أن هذه الضوابط هي جزء من العلاج. ومر الزمن والفتاة تعتاش على المحلول الطبي الذي كان الوسيلة الوحيدة لمنع جسدها المتناحل ووجهها المصفرّ من الدخول في غيبوبة.. ثم قامت بمغامرة ساذجة حينما غافلت الطبيبة المناوبة فاتصلت بصديقتها Léa التي شاركتها من قبل رحلة إسبانيا وصديقها Thomas, فاقتحم الصديقان المستشفى محاولين أخذ Lili واستعادتها لهاتفها المحمول الذي كانت تتوقع أن تجد عليه أي رد أو مكالمة فائتة من الأخ.. لكن المغامرة لم تكتمل, وتم اكتشافها فأوقفها الأطباء المناوبون وعادت Lili إلى عزلتها وسجنها الطبي.. إلى حين حصلت المفاجئة.. ووصلتها رسالة من أخيها إلى منزلها يبلغها فيها أنه "بخير" يجوب البلاد مع غيتاره ويشق طريق حياته بنفسه, رسالة نقلها الأبوان إلى الفتاة وهما في غاية السعادة, فاستعادت تدريجياً ألقها ورغبتها بالعيش, واستأنفت حياتها التي أصبح محورها البحث عن أخيها الغالي البعيد.
* بعد ذلك توافدت الرسائل من الأخ من عدة مدن, كانت جميعها تشير إلى أنه يستمتع بحياته, وفي كل الرسائل كانت عبارات القدح والإساءة للوالد حاضرة, تلك العبارات التي دارتها Lili من أن تصل إلى أسماع والدها أولاً رغم قراءتها لها أمام أمها, ثم أصبح الوالد يصر على سماعها.. ثم بدأت الفتاة بالبحث عن أخيها في المدن القريبة دون أن تنجح في التوصل إلى نتيجة. ومع انتهاء الموسم الدراسي وبعد أشهر عديدة, فوجئت Lili بانفصال صديفتها Léa عن Thomas فأصبح الأخير الرجل الوحيد في حياتها, وتطورت علاقتها به شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت حباً. أما Thomas فقد حرضّ Lili على ضرورة الانفصال عن والديها والبحث عن حياتها الخاصة وبيتها المستقل, لاسيما أن رسائل Loïc كانت تدعم هذا الجانب, فكثيراً ما طالبها فيها بعدم الانصياع لرغبة أبيها وشق حياتها.. ومع انتهاء الدراسة بدأ الطلاب يفكّرون في قضاء عطلاتهم في مدن عدة فاختارت Lili مدينة ما, لكنها غيرت رأيها دون أن تخبر أبواها أو حتى صديقها بوجهتها.. وشاءت الأقدار أن تجد Thomas هناك.. ثم كانت الصدمة الحقيقية حين شاهدا والدها يرسل رسالة من تلك المدينة -دون أن يراهما- ثم حين عادت للمنزل بعد أيام تم إبلاغها أن رسالة قد وصلتها من أخيها من تلك المدينة بالذات لكنها هذه المرة تضمنت أنه سيسافر إلى خارج البلاد كلياً, فأيقنت أن كل الرسائل لم تكن من Loïc بل من الوالد الذي ظل طويلاً يقلّد خط ابنه ليبث الأمل والرغبة في الحياة في ابنته.. تقبلت الابنة الأمر وفهمت أن ما قام بها أبوها ليس إلا حفاظاً على حياتها من أن يفقدها أيضاً بعدما رحل ابنه, حتى أنها صارحت أبوها وأمها بالأمر.
* وفي أحد الأيام قررت Lili أن تدخل صديقها إلى منزلها ليتعرف على أهلها, لاسيما أنهما بدأا يبحثان الانتقال من المدينة, فحددت لـThomas موعداً وذهبت تشتري هدية تليق بالمناسبة.. إلا أن Thomas في صبيحة ذلك اليوم كان مع والديه في مقاطعة مجاورة فاصطحباه في زيارة لقبر جدته.. ولشد ما كانت صدمته كبيرة حين قرأ في المقبرة اسم Loïc Tellier على إحدى شواهد المقبرة متوفىً منذ عام مضى.. فعاد الصديق مسرعاً إلى منزل والدي Lili قبل أن تحضر هي من منزلها.. فسألهما عن الحقيقة بعدما رأى من اسم على ذلك القبر, ليكتشف أن Loïc قد توفي خلال زيارة Lili إلى اسبانيا جرّاء سقوطه من منحدر كان يتسلقه,و ثم اعترف له الأبوان بأنهما كانا يخشيان على ابنتهما هول الخبر فكذبا عليها بتلك الكذبة, ثم أصبح من العسير بعدما جرى كشف الحقيقة لها, وطالباه أن لا يخبرها شيئاً. أما هي, فعادت حاملة هديتها, ورغبةً منها في إخفائها دخلت إلى مرآب سيارة والدها لتخبّئها, وكانت الصدمة أنها وجدت ضمن السيارة غيتار أخيها.. فأدركت تمام الإدراك أن أخاها لم يعد له وجود.. رغم ذلك دخلت Lili وشاهدت أجواء مشحونة داخل المنزل مع أبويها وصديقها.. ثم خرجوا كلها, في حين كانت وصديقها يلمحان لبعضهما بالحقيقة كشيء خفي حين قال كل منهما للآخر أن لديه شيئاً ليقوله.. ثم بعنفوان كان هذا الشيء ليس الحقيقة الخفية.. بل كلمة "أحبك".....
أكثر ما يلفت في القصة هو الدراما المتعددة الطبقات التي تتطور وقائعها وشخصياتها كثيراً من البدء إلى النهاية, حتى أن القصة ذاتها تنقلب كلياً من مسألة اختفاء ابن تخاصم مع أبوه كحكاية مألوفة جداً, ليندرج فجأة ضمنها علاقة التوأمان ببعضهما البعض وإحساسهما الكبير بالآخر, فلشد ما كانت Lili تستشعر المأساة مسبقاً قبل أن توصلت بنفسها إليها. الأمر الآخر الذي يمكن لمسه بوضوح هو مقدار الحب الشديد الذي صبّه الأبوان في الرواية, فالكذبة التي يبدو أنه كان مقدراً لها أن تكون مرحلية أصبحت سبيلاً للحفاظ على حياة ابنتهما الوحيدة الباقية, نعم هي كذبة, وصحيح أنه ليس للكذب ألوان إلا أنها كذبة بيضاء ملائكية, تعبر بوضوح عن طيبة الأبوين وحرصها ورغبتهم الجارفة في الحفاظ على الأسرة من هول فاجعة جديدة, وكم هو من العظمة ما قام به الوالد خصوصاً, الذي آلى على نفسه أن يظهر بمظهر المخطئ الذي تسبب برحيل ابنه, وأرسل لابنته عشرات الرسائل على أنها من أخيها متضمنة الشتم له شخصياً, رغم إدراكه الكبير أن الكذبة لا يمكن أن تستمر للأبد. إذاً فالنص قد تعامل مع تطورات الموقف بذكاء واضح مدروس جعل منه نصاً غير اعتيادي يصعب وصفه قادراً على فلسفة خبايا النفس ورغباتها, وذا مناخ متوازن خصب ليعكس أفكاراً عديدة ويطورّها.. وكوني لا أدري حقيقة العلاقات الاجتماعية في فرنسا, فربما لا يحق لي توجيه انتقاد هنا؛ حيث أنني توقعت أن ينكشف الأمر من الجيران أو أصدقاء العائلة في مثل هذه الحالات, فالعمل قد صوّر لنا تلك الأسرة على أنها شبه معزولة عن الناس وقلل الشخصيات الهامشية إلى أقل الحدود.
فنياً.. قدمت Mélanie Laurent أداء رفيعاً متطوراً بما يتوافق مع القصة المتصاعدة, وأظهر Kad Merad الوالد بصورة إبداعية كبيرة أثيرة بالاحترام والتقدير, فكانت هاتان الشخصيتان المفعمتان بالمشاعر قادرتان على إغناء العمل بالإمتاع, ولا شك أن Julien Boisselier كصديق وIsabelle Renauld كأم كانا اختياراً موفقاً للأدوار الداعمة التي تجعل من الشخصيات شخصيات تذكارية لا تُنسى. أما من ناحية المونتاج فتقسيم العمل زمانياً وإظهار التاريخ رقمياً كان أمراً ضرورياً لإكمال القصة وتوضيحها في ذهن المشاهد. أما الصورة فبين العواصف والأمطار والشمس والألوان تنوع خصب تماشى مع المشاعر والانطباعات فزين الفيلم, في حين كانت الموسيقى بسيطة تكاد تكون تكرارية مع أزمنة وآلات متعددة... لكن بقيت تدور حول أغنية Aaron التي استهللتُ بها مراجعتي والتي كانت -وفق رواية العمل- مهداه من الأخ الغائب إلى أخته, والتي حين تتدفق في آخر العمل ستحمل لنا نوبة حادة من الشعور الغريب بألم الوداع والغياب الذي لم أستطع شخصياً مقاومته, فبكيت..
بقلم : نزار عز الدين ..