الخيال العلمي أحد أهم الاصناف السينمائية
واكثرها رواجاً جماهيراً , فهذا الصنف الذي لطالما أغدق الصناعة السينمائية بالعديد
من الروائع من خلال كوكبة من اهم الصناع السينمائيين في كافة الحقب من بداية الفن
السينمائي .. شخصياً لست من معجبي هذا الصنف ومن النادر ان تروقني الاعمال التي
تخوض نصوصها من خلاله والتي اجدها تخفق في المحاكاة بشكل فني عميق وذو ايقونات
بارزة تهم كوكبة المشاهدين وتلامس مشاعرهم وعقولهم بشكل اللازم .
ومع ذكري انني لست من عشاق سينما الخيال
العلمي الا انني كنت حريص على مشاهدة مجموعة من أهم الاعمال التي ولدت من رحم هذه
الفئة وكانت المصادفة لتجمعني مع فيلم المخرج الامريكي البارز تيري غيليام وأهم
الاعمال في مسيرته الفنية بأسم (برازيل) , العمل يدخلك في مزيج متقن عبر طرح سينما
الخيال العلمي والفنتازيا والكوميديا السوداء بقالب لايخلو من الرومانسية الهادئة
والفكرة الدرامية الهامة ,, تيري غيليام راهن على دفع بكرة عمله بشكل ممتاز والتي
قدمة للمشاهد بفكر عالي نادراً مايمر عليَ مثيل له , فلو بحثنا في دولة برازيل كما
أضفاها لنا تيري فهيا دولة تنشأ في المستقبل البعيد وتنطلق من تطور الحضارة البشرية
والتي بذات الوقت تراهن على استنزاف كل مايحمل الفرد من انسانية او حريات او حتى
ادنى المعتقدات , في برازيل تخلق تلك العلاقة بين الافراد والسلطة والتي تختنق بها
الافكار وتهمش الحريات وتنبذ الاخلاقيات وتندس الأحاسيس وكأنها شيءلايذكر ,, تيري
يقدم لنا شخصيته الرئيسية سام لاوري (Jonathan Pryce) والذي هو شخص يعمل في سلك
الحكومة ويرضى بذالك الروتين الرتيب في حياته ولكن بذات الوقت يخالج لاري أحلام
اليقضة بانه فارس اسطوري في عالم خيال ينقذ محبوبته الملائكية من يد الشيطان ..
المخرج تيري غيليام تعمد ان يجرنا الى منطلق مسمى الحلم ومدة تأثيرة على الفرد في
المجتمع الانساني فلولا وجودية ذالك المصطلح فلا مكان لوجودية الانسانية من هدف في
هذه الحياة , تنطلق احداث العمل بفكر سياسي محنك على الاستعبادية التي تقيمها
السلطات على الافراد والطبقية التي تتبعها والعبثية في بسط سيطرتها عن طريق سلوكها
الاستخبارتية والتي تجرد الفرد من اقل حرياته الشخصية بل انها تدفن احلام شعبها في
مقبرة المادة والعمل , والامر المثير تلك الفجوة التي احدتثتها ذبابة عندما تسقط في
الة كتابية لدى الحكومة مغيرة احد الاحرف في اسم احد الارهابيين المطلوبين مما يصنع
خطأ فاذح في القبض على انسان بريء والتسبب في وفاته وبذات الوقت يصادف سام لارى
فتاة احلامه من خلال زيارة منزل العائلة التي تسببت الحكومة في موت رجلها خطأً
فيبدأ الحلم وسلسلة من الاختراقات التي تجهض تلك الاسوار والحدود التي خلقتها
الدولة في نفس سام ويتنقل من فارس ذو اجنحة في حلم الى فارس حقيقي يدوس كل من يحاول
ان يقترب من فتاة احلامة ,,
المخرج تيري غيليام جعل من سام لاري من شخصية
غير موجودة في المجتمع الى ارهابي وشخص مطلوب في الحكومة وذالك لان سام حاول ان
يجهض احلام اليقضة وان يمارسها في الواقع وهيا مجرد تبادل علاقة حقيقة مع تلك
الفتاه موجودة في الواقع, برازيل عمل تحدى ماصنعته الانسانية في زمن الاصطناعية حتى
في اقرب العلاقات واجهاضه لكافة الأسس البشرية والانسانية في زمن السرعة والحداثة
واجبر المشاهد الى الدخول في عالم تشهد ان شخوصة ممتلئة بالفراغ الفكري والعاطفي
والتي تلاشت فيها اي عنصر يجعلها تتسم بالبشرية .
في البرازيل هشم تيري غيليام صورة شخوصة لترى
الرثاء والسطحية وحتى القبح الذي تشهده وجوههم قبل قلوبهم بشكل يدعي الى السخرية من
الحال التي وصلت الية , وجعل مفهوم الارهابيين التي تعتقلهم السلطات وتحاربهم فئة
لاتستطيع ان تشاهدها في العمل بل تشاهد اعمالهم التفجيرية فقط وكانهم مجرد افكار
وايدلوجيات تحاول ان تكسر تلك القيود التي تشهدها في البرازيل ,
أخيراً في نهاية العمل يصل فينا تيري الى ضفة
الامان او يوصل سام الى تلك الضفة في جعله قابع في احلامه بعدما رفضه واقعة وسلبة
جٌل اهتماماته وأفكارة وحرياته فلم يعد له الا جزء من احلامه وشذرات من اوهامة ..
برازيل عمل قٌدم بشكل ممتاز وبفكر عالي عن
الحضارة الانسانية في المستقبل البعيد وتهشم اي علاقات صادقة او حقيقة ,, وضياع اي
أخلاقيات او مشاعر انسانية وقمع اي حريات في وجود دكتاتورية السلطات , ليصبح كل
انسان يمتلك ولو جزء بسيط من الحلم هو علامة للأرهاب .!
5/5
عبدالرحمن الخوالدة