مقدمة كتاب كيسلوفسكي عن كيسلوفسكي ,,
ترجمة : رضا حريري ..
صناعة الأفلام لا تعني الجمهور, المهرجانات,
المراجعات النقدية أو المقابلات.
انها تعني أن تستفيق كل يوم في السادسة.انها تعني البرد, المطر, الوحل ووجوب أن تنقل معدات اضاءة ثقيلة.
إنه عمل مرهق للأعصاب وفي مراحل معينة كل الأشياء باستثناءه تصبح في المقام الثاني, بما فيها عائلتك ومشاعرك وحياتك الخاصة.
بالتأكيد أن سائقي المحركات, رجال الأعمال والبنوك سيقولون الشيء نفسه عن أعمالهم.من دون شك هم سيكونوا محقين في كلامهم, لكن أنا أقوم بعملي, وأنا أتحدث عنه.
ربما لا يجب عليّ القيام بهذا العمل بعد الآن.أنا في طريقي إلى نهاية شيءٍ جوهري بالنسبة لصانع أفلام وهو الصبر.
لم يعد لدّي صبر على الممثلين,على معدي الاضاءة,على الطقس, على الانتظار جانبًا لتكون المحصلة أن لا شيء يحدث مثلما أحببت له أن يكون.في الوقت عينه , أنا لا يمكن أن أدع هذا العرض. انه يأخذ الكثير مني, يخفي فقدان صبري على فريق العمل.أعتقد أن الأشخاص الأكثر حساسيةً يعرفون أنني لست سعيدًا بهذا الجانب من شخصيتي.
صناعة الفيلم هي نفسها في كل أنحاء العالم: أنا أعطى زاوية في ستوديو, هناك كنبة مريحة,طاولة وكرسي.في هذا نوع من التظاهر, صوتي الصارم وهو يعطي التعليمات: صمت! كاميرا! أكشن!
مرة أخرى تعذبني فكرة أنني أقوم بعمل متواضع. منذ عدة سنوات سألت الجريدة الفرنسية ليبراسيون عددًا من المخرجين عن السبب الذين يقومون من أجله بصناعة الأفلام.أجبت يومها:"لأنني لا أعرف فعل أي شيءٍ أخر". كان هذا الرد الأقصر وربما بسبب ذلك تحصل على الانتباه, أو ربما لأننا - نحن صانعو الأفلام- بالأقنعة التي نضعها والمال الذي ننفقه على الأفلام والأرباح التي نحصلها وادعاءتنا كثيرًا ما نشعر بكم أن عملنا هذا عبثيّ.لا يمكنني أن أفهم فيلليني والكثير من الاخرين اللذين يقومون ببناء الطرقات, البيوت وحتى بحور اصطناعية في الستوديو, بهذه الطريقة لن يرى عددٌ كبير من الناس كم هو مخجل وتافه عمل المخرج.
مثلما يحصل كثيرًا عند صناعة فيلم,يحدث شيءٌ ما يسبب -ولو لبعض الوقت- هذا الاحساس بالبلاهة.
هذه المرة أربعة ممثلات فرنسيات شابات, يقومون بتجربة في ثيابٍ غير ملائمة, يتظاهرن بأن معهن شركاء.لقد مثلن بطريقة جميلة جدًا بشكلٍ أصبح كل شيءٍ معه حقيقيًا. قالوا بعض أجزاء الحوار,يضحكن أو يقلقن, وفي هذه اللحظة استطعت أن أفهم كل ما يعنيه هذا الأمر.
انها تعني أن تستفيق كل يوم في السادسة.انها تعني البرد, المطر, الوحل ووجوب أن تنقل معدات اضاءة ثقيلة.
إنه عمل مرهق للأعصاب وفي مراحل معينة كل الأشياء باستثناءه تصبح في المقام الثاني, بما فيها عائلتك ومشاعرك وحياتك الخاصة.
بالتأكيد أن سائقي المحركات, رجال الأعمال والبنوك سيقولون الشيء نفسه عن أعمالهم.من دون شك هم سيكونوا محقين في كلامهم, لكن أنا أقوم بعملي, وأنا أتحدث عنه.
ربما لا يجب عليّ القيام بهذا العمل بعد الآن.أنا في طريقي إلى نهاية شيءٍ جوهري بالنسبة لصانع أفلام وهو الصبر.
لم يعد لدّي صبر على الممثلين,على معدي الاضاءة,على الطقس, على الانتظار جانبًا لتكون المحصلة أن لا شيء يحدث مثلما أحببت له أن يكون.في الوقت عينه , أنا لا يمكن أن أدع هذا العرض. انه يأخذ الكثير مني, يخفي فقدان صبري على فريق العمل.أعتقد أن الأشخاص الأكثر حساسيةً يعرفون أنني لست سعيدًا بهذا الجانب من شخصيتي.
صناعة الفيلم هي نفسها في كل أنحاء العالم: أنا أعطى زاوية في ستوديو, هناك كنبة مريحة,طاولة وكرسي.في هذا نوع من التظاهر, صوتي الصارم وهو يعطي التعليمات: صمت! كاميرا! أكشن!
مرة أخرى تعذبني فكرة أنني أقوم بعمل متواضع. منذ عدة سنوات سألت الجريدة الفرنسية ليبراسيون عددًا من المخرجين عن السبب الذين يقومون من أجله بصناعة الأفلام.أجبت يومها:"لأنني لا أعرف فعل أي شيءٍ أخر". كان هذا الرد الأقصر وربما بسبب ذلك تحصل على الانتباه, أو ربما لأننا - نحن صانعو الأفلام- بالأقنعة التي نضعها والمال الذي ننفقه على الأفلام والأرباح التي نحصلها وادعاءتنا كثيرًا ما نشعر بكم أن عملنا هذا عبثيّ.لا يمكنني أن أفهم فيلليني والكثير من الاخرين اللذين يقومون ببناء الطرقات, البيوت وحتى بحور اصطناعية في الستوديو, بهذه الطريقة لن يرى عددٌ كبير من الناس كم هو مخجل وتافه عمل المخرج.
مثلما يحصل كثيرًا عند صناعة فيلم,يحدث شيءٌ ما يسبب -ولو لبعض الوقت- هذا الاحساس بالبلاهة.
هذه المرة أربعة ممثلات فرنسيات شابات, يقومون بتجربة في ثيابٍ غير ملائمة, يتظاهرن بأن معهن شركاء.لقد مثلن بطريقة جميلة جدًا بشكلٍ أصبح كل شيءٍ معه حقيقيًا. قالوا بعض أجزاء الحوار,يضحكن أو يقلقن, وفي هذه اللحظة استطعت أن أفهم كل ما يعنيه هذا الأمر.
خلفية .....
العودة إلى المنزل ,,
ساعة ونصف منتظرًا أمتعتي في مطار وارسو,كالعادة.
الحمالون يواصلون حركتهم هنا وهناك. عقب سيجارة, مظلة, ملصق لفندق الماريوت, مشبك لحزام حقيبة السفر ومنديل نظيف أبيض.على الرغم من وجود لوحة "ممنوع التدخين", أشعل سيجارة. أربع رجال من خدمة نقل الأمتعة يجلسون بقربي على الكراسي الأربعة الوحيدة المتوفرة.
"التدخين ليس مسموحًا هنا سيدي" قال أحدهم
"لكن الجلوس دون فعل شيءٍ مسموح؟" سألت
"عدم فعل شيءٍ مسموح دائمًا في بولندا" أجاب رجل أخر.
ومن ثم ضجّوا بالضحك: أحدهم فاقدٌ لسنيه العلويتين , أخرٌ فاقد لنابة وسن آخر في الجانب الأيمن.الثالث لم يكن لديه أسنانٌ اطلاقًا ولكنه أكبر في العمر, في حوالي الخمسين.الرابع على مشارف الثلاثين, أسنانه كاملة.
انتظرت 20 دقيقة آخرى من أجل الأمتعة.
منذ أن شعرنا أننا نعرف بعضنا البعض, لم يقل الحمالون شيئًا عندما أشعلت سيجارة أخرى.
هناك الكثير من التجار في قلب وارسو.يبيعون اللحم,المناشف,الأحذية, الخبز أو السكر من سيارتهم المركونة على طول الطريق. هذا جيد, انه من السهل أن تشتري أشياءً رغم صعوبة القيادة فيها.على الأرصقة تنتشر السلع القادمة من أرخص "سوبر ماركت " برلين الغربية "بيلكا" و "كويل" ومن كروزبرغ: الشوكولاتة,التلفزيونات,الفواكه,كل شيء.اقتربت من رجل مسن يحمل تنكة بيرة فارغة.
"فارغة؟" سألته,أومئ برأسه.
قلت له "كم تريد"
"500 زلوتي"
ظننت أن هذا انتهى.انه بلا شك قد اعتقد أنني أريد شراء التنكة.وقام بتشجيعي:"سوف أعطيها لك بـ400"
سألته:"ما حاجتي لتنكة بيرة فارغة؟"
"هذا شأنك. اذا اشتريتها بامكانك أن تفعل ما تريده بها."
حبي لبولندا يشبه قليلًا الحب في زواج طويل حيث يكون الشريكين على علمٍ بكل شيءٍ عن بعضهم البعض وحيث يشعرون بقليل من الملل من بعضهم البعض كذلك, لكن عندما يموت واحدٌ منهم, الآخر يتبعه مباشرةً.لا يمكنني تخيل الحياة من دون بولندا.انني أجده أمرًا في غاية الصعوبة أن أجد مكانًا لي في الغرب, حيث أنا الآن, على الرغم من الظروف الرائعة: السائقون يسيرون بتروٍ والناس يقولون "صباح الخير" في المحال.رغم ذلك لا أزال حتى الآن حين أفكر بنفسي في المستقبل,لا أستطيع تخيل نفسي إلا في بولندا.
لا أشعر أن بإمكاني أن أكون مواطنًا عالميًا.لا زلت أشعر أنني بولندي.
في الواقع كل شيءٍ أثر في بولندا أثّر فيّ.أنا لا أشعر بالبعد عن بلدي.
أنا لم أعد مهتمًا أبدًا باللعبة السياسية ولكنني مهتمٌ ببولندا نفسها.انها عالمي,إنها العالم الذي أتيت منه ومن دون شك العالم الذي سأموت فيه.
عندما كنت بعيدًا عن بولندا,كان شعوري كأنني بعيدٌ لبعض الوقت,بأن هذا كله مؤقت.بمعنى آخر ان هذا يعني أن الذهاب إلى بولندا يحمل شعورًا بالعودة,شعورًا بالرجوع.
لدي مكان, انه في بولندا سواء في وارسو أو كوشيك في البحيرات المازورية.الأشياء لا تتغير لدرجة تتغير معها مشاعري الأساسية.
عندما عدت لباريس, لم يكن لدي هذا الاحساس بالرجوع.أتيت لباريس.لكنني عائد إلى بولندا.