المخرج الاسباني الشاب
خوان انطونيو باينو يقوم باقتباس احد القصص الواقعية حول معاناة احد العائلات في
احد الشواطئ التايلاندية والتي تواجه احد أضخم الكوارث الطبيعية _اعصار تسونامي_ ,
التحدي الأكبر الذي يواجهه هذا العمل أو غيره من الأعمال التي تنقل لنا تلك المآسي
الطبيعية هو عدم قدرتها على التمكن من إيصال حجم الكارثة التي حققتها تلك الظاهرة
في نفوس الناجيين , أو محاولتها استعطاف المشاهدين من خلال العديد من المشاهد
العاطفية المبتذلة والتي تجعل العمل مبالغ فيه في النهاية.. الاسباني خوان أستطاع
أن يخلق تلك الحالة من التقديم المثالي والمزج ما بين الرعب والذعر الناجم عن تلك
المأساة والعاطفة الجياشة والمشاعر الإنسانية المتناقضة لمجموع شخصيات العمل .. نحن
هنا نقف عن مفترق لِطرقات السردية في عمل “المستحيل ” فكونية الحالة النفسية
لشخصيات تبدو لي أهم من الانفجار المائي الذي زلزل أركان الجزيرة التايلندية ..
خوان انطونيو جعل من تلك العائلة التي تتكون من خمس أفراد تصف الحالة ألعامه التي
آلت إليها نفوس الناجين , فلو لاحظنا تعمد المخرج تقسيم العائلة وعكس كل شعور يطبق
على نفسهم بتلك اللحظة وكأنها يحاول أن يثير فيضان من المشاعر السلبية والايجابية
في إثناء الكارثة وما بعدها . فعائلة هنري (ايوان مغاوير) شكلت في كل جزء من
أجزاءها كارثة إنسانية بحد ذاتها .. فتجلت معاني الصراع الإنساني للبقاء على الحياة
وقدرة الانسان على مجابهة مخاوفة وتحدي آلام من خلال واحد من أكثر المشاهد المرعبة
لهذا العام إثناء انجراف الزوجة ماريا (نعومي واتس ) وابنها الأكبر لوكاس (توم
هولاندِ) اللذان خلقى بذلك المشهد واحده من اعنف اللحظات واكثرها انسانية وعاطفة في
ذات اللحظة , وربطها بمشاهد لهنري وهو يتأرجح بقدمية الدامية في الركام وبحثه عن
عائلاته والذي في نهاية المطاف يجد طفليه الصغيرين سايمون وتوماس
..
لعلي أجد أن ما قدمه خوان في
فلمه ” المستحيل ” هو امتداد حقيقي لما قدمه مسبقاً من خلال عمله المميز (الميتم)
حينما استطاع استعطاف مشاعر المشاهدين وخلط الإنسانية بقالب الإثارة والرعب .
والشيء المثير في “المستحيل” هو إطفاء نوع من الواقعية وخلق مشاهد قصيرة لجوانب تلك
الجزيرة الغارقة في الماء الممزوج بدماء الضحايا والدمار الناشئ عن تلك الكارثة
ومدى قسوة الطبيعة الأم ومدى ضعف البشر وقلة حيلتهم أمام جبروتها والصدمة الحقيقية
التي طفت على معظم شخصيات العمل الملقاة على جوانب الطرق ..
أرى أيضا أن العمل كرس مشاهد
نحو الولوج إلى تلك النفوس المتألمة والمخاوف التي باتت تعيش في روحهم , فلو رمزنا
على العديد من المشاهد المنفصلة لكل شخصية ستشعر أنها تحمل كم من المشاعر والمخاوف
الباطنية وعبء ضخم يثقل على نفوسهم والذي يجعل من كل جزئية ترثى لحال البشر في
إثناء تلك الكارثة والتي عكست حجم المأساة ونقلها على الشاشة بشكل ممتاز ومثالي ,,
والانعطاف بالمشاهد ليكون شاهد حقيقي لتلك النفوس المشبعة بِ آلام والتي تتعلق بحبل
واهن من الأمل بأن أسرهم واقرب ما يحيطون بهم ما زالوا على قيد الحياة في تلك
اللحظات ..
المستحيل هيا ليس بالواقع
النجاة من الكارثة بل هيا تلك الحالة من البقاء على الحياة والاستمرار فيها بعد أن
نخوض تجربة بتلك المأسوية .. فمن تلك المشاهد التي حاول مخرج العمل أن يطفِ بها تلك
الفكرة هو المشهد الختامي عندما يقوم الطفل لوكاس بنزع تلك الورقة عن سترته والتي
وضعها عليه اسمه كونه طفل قد فقد عائلته .. والأب هنري عندما يقوم بفتح ورقة قام
باعطاءه اياها احد الأشخاص الذين التقى فيهم أثناء البحث عن عائلته والتي كتب علية
_نحن على الشاطئ _ لدلالة على عائلة ذلك الشخص .. وأما الأم ماريا التي ألقت النظر
على يدها والتي كانت مخطوطة بأحد الأسماء نظراً لخطأ حدث في المشفى إثناء تقلها
لقسم أخرى .. تلك اللحظات التي لا تتعدى الخمس دقائق فجرت أهم ما في العمل من أفكار
فكانت كمن يقول هل من الممكن أن تنسى ونحدف تلك الذكريات من عقول تلك الشخصيات ..
هل من الممكن ان ننسى من فقدانه في تلك التجربة أو نتناسى شعور الوحدة والضياع
ألكائنه في زوايا تلك الجزيرة .. وتصل الإجابة من مخرج العمل من خلال الصورة
الأخيرة للأم ماريا التي تنظر من نافذة الطائرة الى تلك الجزيرة المدمرة وتبدأ
دموعها بالانهمار .. لتقول انه من المستحيل أن تطوى تلك اللحظات من نفوس من مرُ
فيها ..
أخيراً المستحيل واحد من اكثر
الاعمال المؤثرة والذي أجاد فيه مخرجة الاسباني خوان انطونيو باينو أن يعكس الواقع
المرير لأحد أضخم المآسي والكوارث الإنسانية على الإطلاق في الألفية وان يمزجها
بالرعب الإنساني ومخاوف الفقدان والضياع والوحدة والحزن والفاجعة التي سكنت في
جوارح تلك الشخصيات في نهاية الأمر .. العمل من الناحية التقنية قدم بشكل ممتاز
واعتقد أن مخرج العمل يستحق المديح على خلق تلك الإثارة المتواصلة طيلة أحداث العمل
من خلال مجموعة من المشاهدة المشحونة عاطفياً وحدثياً .. أما بنسبه للكادر التمثيلي
فأؤد الإشادة بما قدمته الممثلة (نعومي واتس) والتي قدمت واحد من أجمل المشاهد
الميلودرامية لهذا العام وأشيد بطفل (توم هولاند) الذي قدم دور جميل للغاية ولن
أتناسى الأدوار الباقية التي كانت جد جيدة وتستحق المديح ,, بنهاية اصف العمل بحالة
فريدة من نوعها لهذا العام فهو من الأعمال التي تندر ان تكون قادرة على جعل المشاهد
يشعر ولو للحظات بكوكبة من المشاعر التي عبرت في نفسه بشكل متزن ودون ابتذال
..
4/5