السعادة ليست شيئاً ننتظر مجيئها .. أنها شيئاً نصنعة بأنفسنا ,,
من فتره بسيطة بدأت مسيرتي في خوض تجربة سينمائية كانت فريدة وهامة
للغاية لي شخصياً مع اهم صناع السينما اليابانية الكلاسيكية ( كوبايشي , ميزغوشي ,
كوروساوا , شيندو , ياسيجيرو أوزو وغيرهم ) ومن خلال مراجعتي هذة سأقف على الاسم
الاخير وأقصد المخرج الياباني البارز ياسيجيرو أوزو وعن عملة (أواخر الربيع ) الذي
يعتبر جزء ضمن ثلاثية المخرج الشهيرة بأسم نوريكو والتي تتكون من 3 اعمال وهيا
أوائل الصيف وقصة طوكيو وبتأكيد فلمنا هذا والتي تعد من اهم الثلاثيات السينمائية
على الاطلاق في تاريخ السينما العالمية من خلال العديد من الاستفتاءات النقادية
الهامة ..
أوزو وعملة أواخر الربيع يمثل حالة سينمائية خاصة حقيقة فمتلك العمل
عدة أسس جعلته يٌصف بتلك الخصوصية فلو تعمقنا في النص المطروح من خلال العمل فلا
انفك عن طرحة في عدة كلمات من خلال سرد قصة فتاه(نوريكو) في الـ 27 ربيعاً تعيش مع
والدها والتي ترفض الزواج وذالك للأعتناء بوالدها وتلبية حاجاته الاساسية والقيام
على خدمته وهنا تتعاضد العائلة وحتى صديقة نوريكو على دفعها الى الزواج في نهاية
ألامر .. تلك الاسرودة كانت ثمرة عمل ينتقل بالاحداث لمدة لاتتجاوز الساعتين ,, تلك
كانت احد خصوصيات سينما اورزو وهيا عدم ارتكزها على ذالك النص المبهر والذي يحمل
تلك العقد المتشابكة في ثناياه أما الخاصية الثانية كانت من خلال طريقة المعالجة
الدرامية للمشاهد بسرد للمشاهد المطولة واستخدام الكاميرا الثابتة في اروقة
المنزل في زوايا محددة واستخدام الكاميرا المحمولة بشكل محدود ناهيك عن خاصية
التقطيع لبعض المشاهد والامر المثير والبارز ولوج ياسيجرو اوزو لتهمش القصة
الاساسية والتي يرتكز عليها العمل من خلال جعلها قصاصات ضمن القالب الطرحي لنص
والذي جاء واقعي بحت او الاجدر القول انها لاتكاد تكون سوى سرد ليوميات احد الاسر
اليابانية المتوسطة في المجتمع وهنا تظهر مدى الاهمية والأنفرادية التي تحققها
سينما الياباني اورزو .. أذكر ان المخرج الامريكي كوبريك وصف كل من بيرغمان
وفيلليني بانهم اكثر المخرجين قدرة على تحويل اي نص الى عمل سينمائي هام وضخم
واستذكر مقولة لألفريد هيتشكوك بان السينما هيا مجرد مراه للحياة اليومية مع اضافة
بعض التوابل والاثارة لها ولكن اوزو اخترق تلك المقولة وتحدى توابل المتعة
الهوليودية واستثنى اهمية النص من خلال صنعة لامثيل لها ..
أستطيع القول ان ثورية اواخر الربيع تكمن في قدرة المشاهد من التفاعل
مع تلك الشخصيات التي حاول تقديمها والافكار التي اثيرت ماوراء ستارة الحياة
اليومية لعائلة نوريكو , اوزو تعمد الى غمر عملة بالحياة التقليدية للمجتمع
الياباني وارتكز على المشاهد الطويلة مثل مشهد حفل الشاي في البداية ومشهد عمل الاب
على احد المخطوطات مع مساعدة ثم على اغداق العمل بمشاهد خدمة نوريكو لأبيها ومدى
الطاعة التي تظهر فيها لدرجة انها تقدم له يد المساعدة في أبسط الامور ..
في بداية تحليلي للعمل أود الانطلاق من تسميته العمل اواخر الربيع ,
والمقصود فيها بطبع الفتاه نوريكو فربيع لقب يطلق على الشباب وبما انا نوريكو اتمت
السابعة والعشرين من عمرها فهيا ضمنياً تعتبر في أواخر ريعان شبابها او ربيع سنونها
وعلى تلك الفكرة توقفت تحليلاتي على العمل ,, أوزو تعمد ان يقدم مشاهد رتيبة وبطيئة
للواقع الاجتماعي الياباني التقليدي من جهة ومن اخرى قدم مايسمى اليابان الحديثة او
الجديدة بعدة مشاهد منها مشاهد القطار السريع وخصيصاً مشهد وقوف المسافرين وجلوس
الاخرين وطلب والد نوريكو منها الجلوس مكانه في فكرة تعود بتزحزح بعد التقاليد
اليابانية وتفكك ولو جزيئة من المٌثل التي يقوم عليها الروابط العائلية في المجتمع
الياباني وايضاً نزهة نوريكو مع مساعد والدها ومرورهم باحد الشوارع التي ترتفع
لائحة اعلانية لاحد اشهر المنتجات الغربية للمشربات الغازية (كوكا كولا) وعمل صديقة
نوريكو في الطباعة وهذا امر ينذر ببعض التحرر ولو كان مجازياً لأضطرارها على العمل
بعد طلاقها من زوجها واخيرة دخول لعبة البسيبول الاجنبية الموطن لتأخذني تلك الفكرة
حول الهدف من نقلنا من تقليدية المجتمع الياباني ودخول تلك الذرات التي تنذر
بمتغيرات هامه لتفتح باب النقاش حول اليابان الحديثة وخصيصاً بعد خسراتها في الحرب
العالمية الثانية وتأثرها في الدول الغريبة ,,
اوزو تعمد ان يتحدث عن الحرب العالمية الثانية بشكل بسيط للغاية
ولكنه بذات الوقت ركز على مرض نوريكو بعد الحرب الطاحنه واعتناء والدها بها من
منطلق ولو اخذت على عاتقي ان نوريكو تمثل اليابان المريضة بعد الحرب في تلك الفترة
وشفاءها بعدها بفتره من خلال والدها الذي مثل التقاليد والقيم القديمة ومثلة نوريكو
ذات السبع وعشرين عام الشابة التي ترفض الزواج وترضى بسعادتها بسكناها مع والدها
الطاعن في السن , ولو مثلة نوريكو اواخر الربيع او اواخر تغييرات اليابان
التقليدية الى اليابان الحديثة والتي تبشر بكسر تلك الجدران التقليدية والانفتاحية
وظهور الحريات الشخصية من قيود المجتمع والعائلة ..
الشيء المبهر حقيقة ان في مخيلتي العديد من التاؤيل حول عدة مشاهد
ومنها أطلاق نوريكو على عمها بالقذر وذالك لانه قام بزواج بعد وفاة زوجته واحضار
امراه اخرى الى منزلة تلك المفارقات التي تبطن في نفس وذات نوريكو فرغم اننا في صدد
ابراز فكرة ان نوريكو تلك الشابة التي تبحث عن حريتها وسعادتها دون قيود التقليدية
مازالت تتسم بجزيئات بارزة من المثل والقيم التي تَربة عليها وكاننا في جدال يثير
صراع مابين الأفكار التي أدخلت الى مجتمع ما وبين الاسس والتقاليد التي ولدت معه
,وتتضح تلك الافكار الجدلية حول تلك المراسم التقليدية عند رضوخ نرويكو في نهاية
الامر ولباس الزفاف التقليدي وجلوس والدها امامها في مشهد تشعر انا نوريكو تكاد
ترثى لحالها رغم ان مخرج العمل تعمد ان لايشعرنا بغصة تلك الفتاه او سلبية الزواج
,,الامر الذي اثارني هو ذكاء اوزو في جعل والد وعمة الفتاه يخططون لمؤامرة لجعل
نوريكو ترضى بزواج من خلال اقناعها ان والدها يود الزواج وان هناك من سيعتني به
واستطيع القول ان تلك الفكرة حول الاحتيال والكذب من المجتمع الياباني والذي مثلته
عائلته نوريكو لأيقاف ثورة نوريكو ومطالبها بعدم الزواج وحجز حريتها الشخصية ,,
لعلي وانا اصف تلك الافكار جعلت المشاهد ينظر من منطلق ان نوريكو سلبت حقوقها في
واقع مأسوي بحت وادرك ان اوزو تعمد ان يجعلنا حائرين صامتين بين الوقوف في اتجاة
والدها الذي بتأكيد يرغب في حفظ مستقبل ابنته من بعده او رضوخنا لمطالب نوريكو
وبتلك الضحكات والابتسامات التي ظهرت في بداية العمل قبل ظهور الزواج التقليدي الذي
جعل نوريكو تغص في ابتسامتها الكاذبة لارضاء والدها , لا اود حقيقة ان أضيع رونق
العمل في التحليل لحقيقة نوريكو وعائلتها واغض النظر عن القالب العاطفي المتين
والواقعي فأعجز عن وصف الترابط بين الوالد والابنة لانه تشعر بالحنين والدفء
والعاطفة تنسل بين المشاهد بينهما وخصيصاً في المشهد الحواري الرائع الذي اقتبست
منه جملة (السعادة ليست شيئاً ننتظر مجيئها .. أنها شيئاً نصنعة بأنفسنا ,, ) ونقل
تلك الومضة من العنفوان والسامية في مشاعر تلك الابنه لوالدها دون حتى مشهد احتضان
بسيط ليظهر اوزو انه قادر على اغراق الشاشة السينمائية بالمشاعر دون اي توابل او
تجميل للعلاقة بينهما , اسمحو لي ان اعود تلك الجملة والتي تصف حال المجتمع
الياباني والذي يستحق ان يوصف بالمجتمع الذي صنع السعادة صناعة واستطاع عقب المرض
بعد الحرب ان يصبح احد اكثر المجتمع تقدماً ورقي في يوماً هذا ..
أخيراً .. في المشهد الختامي يظهر منزل نوريكو معتم وفارغ فيجلس الاب
ليقوم بتناول احد حبات التفاح ليقوم بتقشيرها,, فهل تقشير البرتقالة يعني انسلاخ
الفتاه عن والدها اي القشرة عن اللب او انسلاخ اليابان عن تقاليدها وقيمها القديمة؟
صدقوني لا اعلم فهو مشهد يبتعد من منطلق التحليل الى جزئية الرثاء لتلك الحالة في
النهاية ..
ملاحظة هامه : جميع ماطرح في المقالة هو من تحليلي الشخصي لذا بتأكيد
ان تحليلي يحتمل الصواب والخطأ ولكني الامر الذي أؤكدة ان ماقدم في أواخر الربيع
يعتبر ايقونة سينمائية بالغة الروعة والاهمية ...
عبدالرحمن الخوالدة .