احصائيات المدونة

cenima world

السبت، 12 نوفمبر 2011

طفلة تنظر للعالم من خلال كرتها ألزجاجية .

 لحظات كثيرة أجد أن هناك مايطبق على أنفاسي. في تلك اللحظات أجد نفسي أضيع في غياهم تفكيري الخاصة. أعيش غربتي الذاتية.
الغربة التي لاتعني الابتعاد عن العائلة والاصدقاء والوطن، بل ضياعي الشخصي مابين ماضيَّ وحاضري ومستقبلي بحثي عن وجوديتي وهويتي، وهل بالفعل استطعت أن أجد ذلك العنصر الذي أفتقده من حياتي حتى دون علمي به ؟
تأسرني تلك اللحظة وأضيع في ظلمتي النفسية، حتى أني في العديد من المرات أجد نفسي ذلك الطفل الذي كان يوماً ما يركض مسرعاً إلى أحد البقالات حافي القدمين.
في حينها كنت اشعر بسعادة عارمة وأنا أركض لجلب أحد قطع السكر أو قطعة من البسكويت، فينظر اللي بائع البقالة من أسفل إلى أعلى بطريقة مستعجبة قائلاً لي: (وين حفايتك) ؟
وردي له بكل بساطة: أبوي يقولك أعطيني قطعة من الشكولاتة وسجلها علينا بالدين.
تلك الصورة لم تكن تمثل لي الكثير وقتها، ولكني لم أعلم أن تلك القصاصة في ذاكرتي الشخصية ستعني لي الكثير يوماً. فكنت يومها لا ألقى بالاً الى نظرة الناس إليَّ، وكيف أني أجري حافي القدمي في أزقة شارعنا، ولا أهتم أبداً عندما أدوس على قطعة من الزجاج المكسور المتناثر على الطريق.
هدفي كان الوصول الى قطعة الشكولاته التي كانت أكبر همي وقتها، وكنت اشعر بالحرية المطلقة عندما أركض مسرعا دون أن ألبس حذائي والمثير للسخرية أني كنت ألقى تأنيباً شديداً من والدي على تركي لما ألبسه في قدميَّ في المنزل، واخرج ضارباً كل تلك القوانين والحواجز والسلطة العائلية، والفرح يكاد أن يجعلني أطير في السماء.
كنت طفلاً أرى العالم من خلال عيني والدتي الباكية وتأنيب أبي لي، بل كنت أعشق تلك الثيمة في دنياي ; ما أجمل أن تسرح في دنيا الأحلام وتعيش لحظات كنت تظنها قابله للطي والنسيان، ولكن تلك اللحظات مع أنها ذكريات ليست بذات الاهمية ولكنها خلدت في أعماقي وجعلتني أبحث طويلاً عن سبب ذلك الخلود في ذاكرتي لتلك اللحظات ..

لطالما ظننت أنني ابحث في دنياي عن مستقبلي، أو إعادة النظر في حاضري وتلك هي أهم ما أفتقد في حياتي. لكني فجأة أدركت انني افتقد لتلك الحرية والبراءة الطفولية لعالم الأحلام والخيال; لعالم كنت اعيشه بعيداً عن الاخرين; عالمي الخاص اوهامي طموحاتي البسيطة نظرات والدي وعناق امي وصفعات أبي.
كنت ابكي من مراراتها عندما كنت طفلاً ولسخرية القدر أبكي لفراقها عندما أصبحت شاباً .

 

طفلة تنظر للعالم من خلال كرتها ألزجاجية .

The Double Life of Veronique 1991

ألحيـــاه المزدوجــه لفيرونيــكا  "


لكل منا ولعه وشغفه الخاص بأحد الأمور في تلك الحياة التي نعيشها. بالنسبة لي وجدت نفسي بين قصاصات السينما ومشاهد الافلام، فأذكر أن الدموع انهمرت من عيوني في عديد من اللحظات وأنا أرى أحد الأفلام، وأحد الاصدقاء يقول لي: ( يارجل هذا فيلم، الناس قاعدة تطلع علينا تبكي متل الطفل الصغير على فيلم !! ) لوهلة نظرت إلى صديقي، وقلت في نفسي أنني لا أبكي على مشهد أو فيلم بل أبكي على المشاعر التي لطالما عشتها أو أحببت أن ألقاها.
ابكي على نفسي لأني ماعدت كما كنت. لم أعد ذلك الطفل البريء الذي لم يعد يلقى هماً لنظرة العوام.
بكائي على خسارتي لتلك المشاعر، وتلك المواقف التي ذهبت دون عودة .

10r0ojc.png

في العديد من المرات سألني الزملاء عن سر عشقي لأحد افلام البولندي كريستوف كيلسلوفسكي ( الحياة المزودوجة لفيرونيكا ) ، فكانت إجابتي إما بصمت وابتسامة على شفتي، أو بقولي: ( لانها تمثلني انا ) إنها طفلة تنظر لعالمها الخاص من خلال كرتها الزجاجية السحرية , فيعم ذلك الصمت وعلامات الاستفهام , عني لم أجد تلك الإجابة الشافية التي تشبع فضول رفاقي، ولطالما وصفت السينما بمحبوتي الغالية التي لاتستطيع أن تصفها لرفاقك خوفاً من أن تفضح مدى العشق الذي يسري في عروقك لها وتخذلك الحروف في وصف تلك الحالة النرجسية التي تضفيها لنفسك.
البولندي كيسلوفسكي في افتتاحية الفيلم أبدع في رسم طفولة فيرونيكا في مشهد تسأل فيه فيرونيكا أمها عن أحد النجوم وهي تنظر اليها من الاعلى بشكل معكوس; المشهد عبر عن بداية الحلم لتلك الطفلة التي جسدت الحالة الفكرية لفيرونيكا أكثر من الحاله العمرية بل أجزم أن كيسلوفسكي قد ضرب في حدود الخيال وجعل تلك الصورة تنطق.
إني انظر للسماء الرحبة من خلال عيون طفلة ..
في المشهد الثاني كيسلوفسكي أكد لي أنني أرى أحد تلك الاحلام التي لطالما أحسستها في ريعان الطفولة في مشهد ترى فيه فيرونيك البولندية تقف وتقوم بالغناء بأعلى صوتها، مع نزول الأمطار الغريزة على وجهها إلا أن فيرونيك تقف أمام الأمطار رافعة صوتها غير آبهة بتلك الامطار، والابتسامة ترتسم على شفتيها.
تلك الحالة تلك اللحظة جعلتي أؤمن أن السينما صنعت من الإنسان للإنسان. فيرونيك مثلتني وأنا عاري القدمين وأركض من غير إلقاء هم لشيء في حياتي، والفرحة تتراقص أمامي.
ذلك المشهد عبر بشكل من الأشكال عن البراءة والعذرية والعنفوان التي تمتلك تلك الطفلة.
السعادة المنقطعة النظير تعبر عن الحرية بأبهى حالاتها، وعن الطموح الذي كان يخرج من خلال ترانيم صوتها ...


bjepvq.png

كيسلوفسكي لم يتوقف عند هذا الحد بل جعلني أغرق في أفكاري الذاتية، لأن السينما بالنسبة لي لا تمثل الفكرة المرادة من العمل، أو الصانع السينمائي، بل تمثل المُشاهد وما يود أن يراه من العمل. فلو قرأت العديد من المقالات والتاؤيل عن العمل فستجدها منطقية للغاية، ولكني عندما شاهدت العمل فبالنسبة لي رأيته من منطلق واحد واتجاه وحيد ( البحث عن الطفولة والبراءة الضائعة ). فوجدت أن فيرونيك البولندية مثلت بشكل أو بآخر تلك الطفولة والبراءة.
الحرية والثقل الذي كان يطبق على صدر فيرونيكا الفرنسية. حتى في أحد المشاهد الحوارية (
فيرونيكا : أبي أشعر أني أعيش في مكانين ) (Weronika :
I've always felt that I live in two places) لو أردت أن أصف حالتي الشخصية من هذا السطر فطالما شعرت أنني أعيش في عالمي الخاص الخيالي مع ذكريات طفولتي والبراءة والحرية التي كنت يوماً أعيشها.  وبعيداً عن تحليلاتي الشخصية نجد أن كل فرد في هذه الحياة يعيش حياته من منطلق شخصي ذاتي يعتبره صندوقاً سحرياً يغلق عليه دون أن يراه الآخرون. بينما حياته أمام من يحيطونه هي تلك الحياه الواقعية التي لطالما حاول أن يهرب منها إلى عالمه الخاص المليء بالحرية والأحلام .

 
Image

لعلي وأنا أطرح مايجول في نفسي أضعت عليكم التسلسل الحدثي والدرامي للعمل، ولكني كما ذكرت في بداية مراجعتي هذه أنني لا أود بشكل من الاشكال تحليل مشاهد العمل. فصانع العمل كريستوف كيسلوفسكي بنفسه عندما سُئِل عن فيلمه هذا قال: إن الحياة المزدوجة لفيرونيكا عمل ليس للتحليل وقراءة الأفكار بل ليعبر عن مايجول في مخيلة مشاهديه. وأجد أن كيسلوفسكي استطاع أن يحقق تلك الثيمة في عمله هذا. فلو أردت أن أضع تحليلي الخاص عن مشهد العرائس والذي أرجح أنه يصف موت فيرونيك الطفلة في مخيلة فيرونيكا الشابة، وتلك الاحاسيس التي ماتت في نفس فيرونيكا بعد موت جزء من البراءة والعواطف والاحاسيس في جسدها.
وأرى أنه مثل كوكبة تلك المشاعر بالملاك. أما سبب بحث فيرونيكا عن صانع العرائس فأرى أنه من الواضح أنه يدل على تلك الفجوة التي اعقبت فك الارتباط بين فيرونيك والخيال الجامح الذي يسكنها، والبحث عن الحب والشغف بل أوجز أنها الحاجة للآخر لملء تلك المشاعر.
وأخيراً المشهد الختامي في العمل عندما تصف فيرونيكا نفسها بحقيبتها الخاصة فأجد أن هذا المشهد من أكثر المشاهد تأثيراً وسحراً. فأن تصف نفسك بحقيبة صغيرة ومجموعة من الحاجات الشخصية فهذا يبرز مدى البراءة والطفولة والخيال الذي يسكن في نفس فيرونيكا ..
في ختام مقالتي هذه أصف نفسي بفيرونيكا الفرنسية التي فقدت شيئاً لم تعلم ماهو حقاً. وهي فيرونيك الطفولة والبراءة والحب والحرية.
الحياة المزدوجة لفيرونيكا حالة خاصة تلتمس خصوصيتها من خصوصية مشاهديها، فأنا أجزم أنني لم أقدم سوى واحدة من هلوساتي الشخصية، ولكني أكتفي بأني وصفت السينما بالأنثى بجميع ماتحمله من رغبة وأنوثة وعواطف جياشة، وأصف نفسي بعاشق مفتون
بسحر غزليتها ..



تحرير : عبدالرحمن الخوالدة

للأستماع لـ Soundtrack
http://www.youtube.com/watch?v=i7sJYTj2k9o
http://www.youtube.com/watch?v=Q7EMSEnMnKg&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=TEVlDb43v-4&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=4jIOKCN_yfY&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=UQ5HkK7mUPw&feature=related

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا

تابعني على تويتر