احصائيات المدونة

cenima world

السبت، 2 يونيو 2012

The French Lieutenant's Woman... ثائرة على عصرها.. ولو بقلبها...

 
(اللامنتمي هو الإنسان الذي يدرك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية من أساس واهٍ، وهو الذي يشعر بان الاضطراب والفوضوية أكثر عمقاً وتجذراً من النظام الذي يؤمن بهِ قومه. إنه ليس مجنوناً, هو فقط أكثر حساسية من الأشخاص المتفائلين صحيحي العقول. مشكلته في الأساس هي مشكلة الحرية. هو يريد أن يكون حراً ويرى أن صحيح العقل ليس حراً) كولن ويلسون
(لن تسبق أحداً لا زلت تتبع خطاه) فرانسوا تروفو
She was lost from the moment she saw him - The Movie Tagline

تحرير : نزار عزالدين ...  

   هل يمكن أن أدعو حالتي بـ Meryl Streep Fever؟ لا أعلم.. وإجمالاً ما أعلمه أن هذه الحالة لا تراودني فقط أنا وحدي :-) وثمة ما يدفعني للبحث في أعمال هذه العملاقة عن سر تألقها المستديم, فتستوقفني على الدوام محطات تستحق تناولها بشيء من التمعّن, منها فيلم (امرأة الملازم الفرنسي) ليس فقط لأنه واقع بين أوسكاريتي (كرامر ضد كرامر) و(اختيار صوفي) فحسب.. بل لأنه لفتني أنه ثمة مواصفات لـ(الموجة الجديدة) -التي أعمل على دراستها منذ حين- يمكن قراءتها في هذا العمل كذلك.. وشخصياً فإنني أرى دور ميريل في هذا الفيلم أكثر جمالاً من دورها في (اختيار صوفي) الحائز على الأوسكار, ولربما كان ذلك الأوسكار متصلاً بتفوق مخيف لميريل في نطق اللغات الأجنبية بتعدد لغاتها الأوروبية فيه في دور "صوفي", أو ربما بسبب الحكاية الألمانية النازية فيه.. وأدرك أن الواقع والمنطق يخبرنا ألاّ نقارن أوسكارياً بين الأدوار الحاصلة على الجوائز فيما بين سنين مختلفة. وهذا ليس على أي حال محلّ بحثي الحالي وهو يستحق استطلاعات مطوّلة سأحاول "حركشة" أحد المشرفين (أو ربما المشرفة) في هذا تحقيق هذا الاستطلاع الذي أود أن يكون كذلك -وللأمانة- إحدى "قضاياي السينمائية".. وبما أن قراءتي ستكون مطولة نسبياً فسأقسم مطالعتي للعمل إلى جزأين مستقلين.. الأول هو البناء الشخصي والارتكازي للعمل الذي أحببت تناوله كذلك... والثاني هو البناء الفني النقدي التفصيلي..
  
The French Lieutenant's Woman - 1981

Karel Reisz
   لا يبدو اسم Karel Reisz كمخرج اسماً مشهوراً أو كبيراً في الحجم الرقمي للأعمال التي أخرجها.. ولكنه واحد من بين رواد الواقعية الجديدة في سينما الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. ولد في تشيكوسلوفاكيا عام 1926 لمحامٍ يهودي هرب من المحرقة إلى بريطانيا. وبقي هناك في بريطانيا إلى أن توفي بعد معاناة مع الاضطراب الدموي عام 2002. له كتاب شهير اسمه (تقنية تحرير الفيلم) طبع أول مرة عام 1953 كتبه قبل الخوض في صناعة الأفلام بشكل احترافي, أي قبل أن يظهر فيلمه الأول (ليلة سبت وصباح أحد: Saturday Night And Sunday Morning) عام 1960 الذي اقتبسه من رواية واقعية اجتماعية وكان أشبه بوثائقي نظراً لاهتمامات مخرجه السابقة في الوثائقيات والمونتاج.. وربما كان فيلم (امرأة الملازم الفرنسي: The French Lieutenant's Woman) أهم أعماله. والجدير بالذكر أنه قاد 3 نجمات ليترشحن إلى أوسكار أفضل ممثلة.. هم Vanessa Redgrave عن فيلمي (مورغان - حالة مناسبة للعلاج : Morgan - A Suitable Case for Treatment) عام 1966 و(إيزادورا: Isadora) عام 1968 - ثم Meryl Streep عن الفيلم موضوع المطالعة.. وJessica Lange عن فيلم (أحلام حلوة: Sweet Dreams) للعام 1985. كما أنه كان عضواً في محكّمي مهرجان كان للعامين 1970 و1983. 
بطاقة تعريف فيلم (امرأة الملازم الفرنسي):
إخراج: Karel Reisz
كتابة: Harold Pinter (النص) - John Fowles (الرواية)
بطولة: Meryl Streep - Jeremy Irons - David Warner
تاريخ الصدور: 18 سبتمبر 1981
المدة: 127 دقيقة
البلد: بريطانيا
الميزانية: 9 مليون
الإيرادات: 26890068 دولاراً
أهم الترشيحات:للأوسكار: خمسة ترشيحات خسرها جميعاً: أفضل ممثلة دور رئيسي: Meryl Streep - أفضل إخراج فني - أفضل تصميم أزياء - أفضل صياغة فيلمية - أفضل نص مقتبس.
للبافتا: حصد الفيلم جوائز أفضل ممثلة وأفضل موسيقى وأفضل صوت.. وكان له ترشيحات لأفضل فيلم, وأفضل ممثل (Jeremy Irons), وأفضل صناعة سينمائية, وأفضل أزياء وأفضل صياغة فيلمية, وأفضل إخراج فني, وأفضل سيناريو.
للكرة الذهبية: حصدت ستريب جائزة أفضل ممثلة. وكان للفيلم ترشيحان إضافيان لأفضل فيلم درامي وأفضل سيناريو.
   يُذكر أن الفيلم كان يتم إعداده ليكون تلفزيونياً, لكن منتج الفيلم اختار له الشاشة الكبيرة. كما أن مشروع الفيلم ارتبط به العديد من المخرجين Sidney Lumet وRobert Bolt وFred Zinnemann وMilos Forman مواطن Reisz اليهودي التشيكوسلوفاكي أيضاً صاحب الرائعتين الخالدتين (أحد ما طار فوق عش الوقواق) و(أماديوس)..
أما الممثلين المرشحين للأدوار فلدور Charles Smithson/Mike تم اقتراح Robert Redford وRichard Chamberlain قبل أن يستقر الدور على Jeremy Irons في حين أنه لدور Sarah/Anna كانت المرشحات Francesca Annis وGemma Jones وHelen Mirren لتحصل Streep أخيراً على الدور الذي ذُكر أنها حصلت منه على مليون دولار في ذلك الحين.
  
اللا انتماء.. وثورة العيش في كذبة ....
   دونما شك فإن منظر المرأة الوحيدة التي تتمشى على كاسر الأمواج رغم وجود نوًّ بحري هائج, هو أحد وأجمل الصور التي تتبقى في مخيلتنا من فيلم يبدو فيه المونتاج أحد نجومه دون شك على أثر تأثر مخرجه بشكل واضح بالموجة الفرنسية الجديدة حتى تم اعتباره أحد أفرادها من غير الفرنسيين.
يبدأ العمل موحياً جداً.. فمنذ المشهد الأول نرى إيحاءً هاماً أننا نشاهد فيلماً يتم تصويره.. ثم نكتشف تدريجياً أن الفيلم يدور في اتجاهين: الفيلم الذي يتم تصويره, واتجاه آخر يوصّف الحياة التي يعيشها الممثلون أنفسهم.
   لنبسط الحديث أكثر يجب أن نعلم أن هناك حكاية ضمن حكاية.. ويمكن دونما أي إرهاق في التفكير أن نفصل بين قصة الممثلين وقصة الفيلم الذي يصورونه من خلال الأزياء والماكياجات.. فالحكاية التي يتم تصويرها هي حكاية تجري في بريطانيا القرن التاسع عشر حيث العربات التي تجرها الأحصنة, والأسواق القديمة. والملابس الطويلة الملتزمة. في حين نشاهد عند النفاذ إلى زمن الممثلين السيارات ووسائل الاتصال والتطور. يبقى فقط أن ما قد يثير الارتباك أننا نشاهد الشخصيات في دورين لكل منها: واحد يخص الزمان الحاضر.. وآخر للشخصية التي يعمل على تصويرها. ولكن Harold Pinter كاتب السيناريو يصمم على أن يظهر لنا براعةَ وحرفيةً في الصياغة حين يلجأ إلى جعل الشخصيات التمثلية تنعكس على ممثليها, بل إنها توحي لها بما يتوجب عليها فعله في حياتها.

ففي الزمان الحاضر للفيلم نتعرف إلى Anna, تلك الممثلة التي تؤدي دور Sarah Woodrough وهي الفتاة سيئة السمعة, التي طالما تحدثت الشائعات عنها كامرأة خاطئة مع ضابط فرنسي متزوج.. شخصية معقدة مضاعفة أجادت Meryl Streep في تأديتها, مستخدمة ذكاء حاداً في عمل فضفاض أتاح للمثلين الكثير من إظهار خبراتهم وأدواتهم وهذا بحد ذاته أحد أهم الأسباب التي تجعل منه في نظري يستحق التوقف عنده..
أما الممثل الذي يرافق Anna فهو Mike ودوره هو لعالم جيولوجيا وباحث في شؤون المستحاثات يدعى Charles Smithson, دور يظهر منذ البداية شخصية عميقة غير كلاسيكية في عصرها. ولا شك أن Jeremy Irons قد قدم دوراً كبيراً هنا, ويبدو ترشحه للبافتا عن هذا الدور أمراً منطقياً بل ضرورياً, لكن طبيعة الأداء الساحر لـStreep كان قادراً على جعل الفيلم كلها له وحرف الأضواء عن أي شيء آخر!
 
   لكي لا أجعل قارئي يتوه؛ فمن الواجب علي أن أفصل بين القصتين الحادثتين في العمل, مع مطلق تأكيدي على أن عسر الفهم لهذه المطالعة ليس بمشكلة, فهذه النوعية من السينما ليست للكتابة! فالسينما في هذه الحالة هي فن تأليفي لا يقل أهمية عن الرواية, وإذا كانت الرواية غالباً ما تلجأ إلى السرد, فالسرد المونتاجي هنا من يروي الأحداث وهذا التكتيك في البناء الدرامي العضوي للأحداث ولا سيما زمانياً ومكانياً هو نتاج انعكاس الموجة الجديدة على الكاتب (المسرحي أساساً) والمخرج على حد سواء, وما سأذكره في التالي ليس حالة تقريرية بل إيجازاً لأحداث تفوق ما سأرويه:

- في القرن التاسع عشر: Charles عالم المستحاثات الذي يقدم من لندن إلى بلدة بريطانية صغيرة تعتمد على التجارة في حياتها, يجد لنفسه فتاة ميسورة الحال وابنة تاجر معروف تدعي Ernestina, يقنع Charles نفسه بحب هذه الفتاة ويعرض عليها الزواج. وخلال فترة تعارف Charles وErnestina, يبدأ Charles بالانجذاب إلى تلك الفتاة "المأساة" التي تذهب يومياً إلى البحر وتقف أمامه رغم احتجاجات سيدتها المتدينة, لتراقب حنانه وهيجانه غير آبهة بالعواصف. الانجذاب إلى (Sarah) يبدو أولاً بدافع الفضول. حتى ليسوقه فضوله إلى اللحاق بها إلى الغابة على أطراف الشاطئ, ليكتشف بعد ذلك أن لدى تلك الفتاة الكثير من الحزن العميق, فهي تعترف له أنها هامت في عشق ملازم فرنسي مثّل أنه أحبها, فسلمت له جسدها وروحها, ثم تركها وغاب, واكتشفت أنه متزوج تاركاً بها روحاً مجروحة لا تندمل جروحها ولا تُشفى.. عند ذلك تنتقل مرحلة الفضول في العلاقة إلى الإشفاق! ويبدأ Charles في البحث عن أسلوب لعلاج الفتاة "المأساة" إلى أن يجد نفسه يتبعها حيثما تذهب, ويشعر بأنه قد تعلق بها, ووجد فيها شيئاً مبالغاً فيه من الحس والثقافة.. وحين يجتمع بها يكتشف أنها كانت قد خدعته في كل ما روته عن وجود إنسان قبله في حياتها.. ويدرك أن كره هذه الفتاة الرقيقة لمجتمعها وأفكاره وضيق أفقه, جعلها تنفي نفسها عنه بوصم نفسها بأقبح التهم وأشنعها -في ذلك الزمان- لتصنع عالمها الخاص الذي تعيش فيه ضمن الكذبة, عالم تشعر هي فيه بأهميتها وتعاقب نفسها على عدم قدرتها على الإندماج في طقوس حياة لا تحبها.. وبعد أن يفتضح أمر Charles وSarah يخسر Charles حياته النبيلة وخطيبته, ليعيش هو الآخر تحت نظرات مجتمع لا يرحم.. وتختفي Sarah عنه لتتركه وحيداً سنوات عديدة يعاني مما جرى ومن نفي المجتمع.. ويوماً ما ترسل سارة له فيبدأ العتاب بينهما عنيفاً أولاً, وإذا كان ريح العتاب عنيفة فقد استطاعت بعنفها أن تبعد الغبار الذي يعتري العلاقة وتكشف الخامة الهيامية في قلبي العاشقين اللذين عاد حماسهما لبعضهما بعد طول السنين.. ليقررا مرة أخرى عيش حياتهما على هواهما..

- القصة الثانية هي التي تجري بين الممثلين Anna وMike: إذا يبدو أن الممثل يتعلق بالممثلة خلال التصوير. ويبدو أن إبداع Anna في تجسيد شخص Sara جعل Mike مفتوناً بها. لا سيما أن الممثلين معاً يبحثان عن التفاصيل الدقيقة وحتى التاريخية التي تجعل من عملهما ناجحاً إلى درجة توحّدهما مع الدورين فيما نسيمه عادة بـ(تقمّص) الشخصية.. ويبدأ Mike رحلة التودد إلى Anna التي لا تظهر له الكثير من المشاعر رغم أننا كمشاهدين سنشعر في المقابل وجود مشاعر لديها تجاهه, لكنها حين تأخذ في اعتبارها أنه رجل متزوج ولديه أطفال وتتحدث إلى زوجته, تقرر فجأة أن تنهي حكايتها معه بشكل مغاير للفيلم الذي كانت تمثله معه.. إذ تقرر الرحيل من الحفلة التي أقامها المنتج على هامش إنهاء الفيلم, وبعد أن كان من المقرر -على الأغلب- أن يجتمع Mike وAnna ويقررا القرارات الصعبة في حياتهما.. ترحل Anna وحدها تاركة Mike يراقبها مغادرة بسيارتها, منادياً لها بـSarah وليس Anna في لقطة تؤكد أن العلاقة الناشئة بنيت على أساس العمل المشترك.
 
   على صعيد الأفكار تبدو شخصية Sarah الإنسانة الحالمة التي عاقبت نفسها على عدم القدرة على الانسجام مع مجتمعها, محوراً مهماً جداً في العمل ينطلق من الرغبة في أسلوب حياة جديدة مفتقرٍ إلى الجرأة الكفيلة بالثورة على المجتمع, وكأنها نواة صراع بين الماضي والحاضر, والالتزام والانفتاح, ويبدو Charles هو الشخص الذي يؤمن بأهمية أن نعيش حسبما نرغب نحن لا حسب الضوابط المرسومة لنا, ويبدو هذا واضحاً في أن Sarah ذاتها تعتبر أن تدخل Charles في حياتها قد أعطاها سبباً للعيش ومنحها قسطاً كبيراً من الحرية.. وهي لا تبدو حرية بالمعنى الحرفي فهما يعرفان أم المجتمع لم يتغير, لكنهما يؤمنان أن الحرية الحقيقة تبدأ حين ننطلق للحياة دون أي خوف. أما في الزمن الآخر للرواية فالإسقاطات التي لمّح الفيلم لها لا تتعلق فقط بأن الممثلين قد انجرفا في الحالة التي مثلاها, بل إن الغاية الأوضح هي أن الإنسان يتأثر بالتجارب التي يعرفها, فإذا كان الممثلان قد تأثرا بالفيلم فلطالما قرأنا نحن كتباً غيرت من مفاهيم حياتنا وكثيراً ما شاهدنا لقطات فيلمية أخرجت من ذواتنا صفات لا نعرفها, وهذا التأثير الذي أظهراه كان مقصوداً من الكاتب والمخرج ليوجها أنظارنا إلى أهمية السينما كأداة معرفية وتثقيفية وروائية.. وإذا كان السيناريو يحمل طابعاً بسيطاً فإن بناؤه معقد بشكل حاذق واضح لكل من يقرأه.

فنياً.. أجاد المخرج استخدام الطبيعة كأستوديو كبير عملاق يزخر بالمؤثرات الطبيعية.. وتنقل الكاميرا المحمولة جعلنا أقرب من الأحداث, واحتراف المخرج لفن المونتاج والروائية جعلت من المونتاج -كما سبق وذكرت- نجماً من نجوم العمل. ثم توجد الموسيقى بعالمها الآخر, ورغم بساطتها كانت أحد العوامل الهامة لنقلنا بين الزمانين ومدخلاً هاماً لفهم الأمور, أما Meryl Streep وJeremy Irons فقد قدما بكل ثقة الدور ببراعة, مخرجين إحساسات كبيرة تتجاوز جمال الممثلة الشابة ووسامة الممثل الشاب إلى التعبير الأخاذ بالنظرات والهمس.. متسابقين على اللعب بالدور المعقد المضاعف على خير وجه مستخدمين مهارتيهما وأريحية النص, ليبقى هذا العمل أخيراً عملاً محفوراً في الأذهان.

تابع كل جديد برسالة الكترونيه لـ إيميلك فورا

تابعني على تويتر